يمكنك أن تكرر ما قلته! الايكولاليا (اضطراب تكرار الكلام) لدى الأطفال المكفوفين وضعاف البصر
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
ماري ماكدوناج
كلمة الايكولاليا Echolalia في اللغة الانجليزية مشتقة من أسطورة يونانية قديمة حول حورية اسمها إيكو (أي صدى باللغة الانجليزية Echo) والتي كان بإمكانها فقط تكرار الكلمة الأخيرة مما يقوله الآخرون لها. وقد فُطِر قلبها بعد قصة حب من طرف واحد، ووهن جسدها وضعفت قواها ولم يتبقى لها سوى صوتها. إنها حكاية وعظية عن الحب والفقد.
قد تظن أنها قصة قديمة لا أهمية لها في عالمنا اليوم، إلا إذا كان طفلك الصغير يكرر باستمرار كل كلمة أو عبارة تقولها أنت أو يقولها هو. في هذه الحالة، قد يكون طفلك الذي بين يديك “حورية الصدى إيكو”.
هل تثير هذه المحادثة أية ذكريات لديك؟ (أرجو أن تعذروا الأخطاء النحوية- لأن هذا مثال حي من حياتنا!)
الوالد: “ما القصة التي ترغب في سماعها هذه الليلة؟ ”
الطفل: “ما القصة التي أريدها أنا؟”
الوالد: “هذا صحيح؛ ما القصة التي تريدها؟”
الطفل: “ما القصة التي أريدها أنا؟”
الوالد: ” نعم، ما القصة التي تريدها؟”
الطفل: “ما القصة التي أريدها أنا؟”
الوالد، وقد فقد أعصابه فعلا الآن: “ما القصة التي أنا أنت ترغب في سماعها. أعني … انسى الأمر. لن اقرأ لك أي قصة الليلة!”
هذه بالفعل حكاية وعظية تحذيرية.
من المعتقد في الوقت الحاضر، أن ما نسبته 80% من الأطفال المكفوفين وضعاف البصر تصدر عنهم الايكولاليا في أنماط الكلام التي يستخدمونها. وهذا جزء عادي من النمو اللغوي (لأنها طريقة ممتازة لتعلم مهارات لغوية حقيقية) وعادة ما تتم ملاحظتها على الأطفال المبصرين، ولكن عادة ما تكون فترة تكرار الكلام لديهم أقصر بكثير.
في حين يجد الأطفال المكفوفون وضعاف البصر أن هذا السلوك مفيد لهم، ولذلك تطول فترة استخدامهم له.
كيف يمكن أن تكون الايكولاليا مفيدة؟
إن استخدامات الايكولاليا متعددة ومتنوعة. وكما ذكرنا سابقا، فإنها في الواقع مرحلة طبيعية من مراحل النمو اللغوي لدى الأطفال المبصرين أيضا. ولكن ليس من غير المألوف للأطفال المكفوفين وضعاف البصر أن يقضوا فترة أطول في مرحلة الايكولاليا حيث أنهم يظنون أنها مفيدة لهم في بعض المواقف كفائدة البصر للأطفال المبصرين:
- من هناك؟
يتسنى للطفل المبصر بكل بساطة أن ينظر من حوله ليرى من موجود في الغرفة، في حين لا يملك الطفل الكفيف هذه المقدرة، ولكنه يملك نفس الرغبة في معرفة من يتواجد حوله، حتى قبل أن يمتلك المهارات اللغوية اللازمة للقيام بذلك بطريقة غير مزعجة. فهو يكرر باستمرار الأسئلة التي قد لا يبدو لها أي علاقة بما يرغب في قوله، الأمر الذي يبدو غريبا ولكن عند النظر في الأمر نجد أن سؤاله سوف يثير نوعا من الاستجابة من الآخرين حوله في الغرفة، ويمكن حينها فهم هذا السلوك أكثر على أنه محاولة تكييف وظيفي. وعليه فإنه يمكن النظر للتكرار المستمر لهذا السلوك على أنها محاولة لإبقائه على علم بمن بقي في الغرفة وبمن خرج منها.
- أين أنتم؟
إن استجابة الجميع للطفل سيساعده على معرفة أماكن تواجدهم في الغرفة. لاحظ في المثال التالي حيث يجلس الجميع حول طاولة الطعام ويحادثون تومي ردا على تكراره الكلام:
الأم: “وقت العشا يا تومي. يم يم.”
تومي: وقت العشا يا تومي. يم يم.”
تفسر الأم تكرار تومي لحديثها على أنه طريقة تومي ليخبرها أنه قد سمعها تنادي للعشاء.
تومي الآن جالس إلى طاولة الطعام مع اشقائه، ويقول: “وقت العشا يا تومي. يم يم.”
يرد عليه شقيقه الأكبر: “هذا صحيح تومي.”
تومي: “وقت العشا يا تومي. يم يم.”
ترد عليه أخته الأكبر سنا: “لقد قلت ذلك مسبقا. توقف عن تكراره”.
تومي: “وقت العشا يا تومي. يم يم.”
تكرر الأخت الأصغر: “يم يم”.
تومي: “يم يم.”
تقول الأخت الأكبر لأمها: “أمي، اطلبي منه أن يتوقف عن فعل هذا.”
تكرر الأخت الأصغر: “يم يم”.
تبدأ الأم بشد شعرها، خصلةً خصلة.
- صلات أساسية:
يتواصل الطفل المبصر أوليا مع الآخرين بعينيه، في حين أن هذا غير ممكن للطفل الكفيف رغم حاجته الأولية المشابهة لحاجة الطفل المبصر للبدء بالتواصل مع الآخرين. تمنح الايكولاليا الطفل الكفيف قدرة مشابهة للتواصل البصري الأولي لدى الطفل المبصر- وفي حين ان لا حاجة لكلامه غير خدمة هذا الهدف فقط، فإن الطفل الكفيف لن يعتبر أن هذا حديثا في الأصل، لأن الايكولاليا هنا تخدم هدف تحقيق التواصل البصري بالنظرات العابرة المتكررة.
- المحادثات والصلات الاجتماعية:
إن فهم الطفل الكفيف للغة (وتسمى اللغة التجاوبية)، في هذه المرحلة، أكبر من قدرته على التعبير باستخدام الكلمات (وتسمى اللغة التعبيرية). قد تكون لديه الرغبة في إشراك نفسه في محادثات الآخرين، ولكنه لا يمتلك القدرة على المبادرة لفتح مواضيع مناسبة أو الاستمرار في مناقشتها. يمكن للايكولاليا أن تمنح الطفل الكفيف الفرصة ليبدو وكأنه يشارك في محادثة قبل أن تنضج قدراته اللفظية والكلامية. يمنح هذا الأمر شعورا بالاندماج الاجتماعي في الجوانب الاجتماعية للمحادثة، والذي كان ليحل محل التواصل البصري ولغة الجسد.
ومن المفارقة أنه على الرغم من أن الطفل الكفيف يسعى للاندماج الاجتماعي باستخدامه للايكولاليا، إلا أنه في الواقع يزيد من نظرات الآخرين له على أنه شخص مختلف. وبالإضافة إلى الايكولاليا، فإن الحيرة والارتباك عند استخدام الضمائر يظهر جليا في حديث الكثير من الأطفال المكفوفين، الأمر الذي يضاعف انفصاله الظاهري عن المجموعة.
وأيضا، بسبب اقتصار محادثته على الخبرات التي لديه مسبقا، وبسبب أن وضوح وفائدة خبرته التي يملكها تقل وتضعف بسبب فقده للبصر، فإن الابتعاد عن هذا النمط من الحديث يصبح أمرا صعبا، وما بدأ وكأنه مرحلة نمو انتقالية، يمكن أن تتحول لديه إلى عادة يؤديها بشكل صارم.
ماذا بإمكانكم فعله للتقليل من الايكولاليا لدى طفلكم؟
من المهم لسلامتكم العقلية كوالدين تذكر إن “هذا أيضا سيمر ويصبح جزءا من الماضي”. كل طفل في مرحلة ما من عمره يُظهر سلوكيات غريبة وغير معتادة. إن أفضل استخدام لوقت الوالدين وأكثره فعالية هو توضيحك لطفلك أن هناك طرقا أسهل وعملية أكثر لاستخدام اللغة لتحقيق مبتغاه. قد يكون التوجيه الهين واللطيف والمستمر صعبا عندما يكرر طفلك للمرة الثلاثين أمرا كان واضحا من المرة الأولى، ولكنه أسلوب سينجح في نهاية المطاف.
ليس المقصود بهذا منعه من الحديث، ولا بأن يهيمن ويسيطر الوالدان على حديث ونطق الطفل- بل بالعكس. المقصود هو أن توفر لطفلك مسارا ليستكشف اللغة ويوسع قدراته ويتصرف كأي شخص طبيعي واجتماعي وصولا إلى شخص بالغ طبيعي وسعيد ومدرك لمحيطه الاجتماعي. وكما هو الحال مع تربية أي طفل، فالمهمة ضخمة وشاقة!
تجدون هنا بعض النصائح لتساعدكم على التعامل مع الايكولاليا عند طفلكم وتشجيعه على الانتقال لاستخدام تعابير لغوية تعبيرية أكثر. اقرأوا هذه النصائح واختاروا أفضل منهج لكم. تذكروا أن كل الأطفال يتعلمون وفق وتيرة خاصة بهم، ويتفاعلون بطرقهم الخاصة، لذلك أرجو ان تتحلوا بالصبر ولا تقبلوا بالاستسلام!
- لا يوجد حل سريع.
من المهم بالنسبة لك في البداية معرفة وتقبل أن اعطاء طفلك بدائل لما ينفع عمله بدلا عما يقوم به حاليا، أمر يستلزم صبرا والتزاما ووقتا.
- اللغة هي جسره إلى العالم.
يكتسب الطفل قدراته المتعلقة باللغة مباشرة ممن حوله، ولذلك عليك أن تجعل العملية ناجحة لكليكما عبر تزويد طفلك بتعليقات ووصف لعالمه والذي يكبر مع فهمه وقدراته. فكلما زادت اللغة التعبيرية التي يتعرض لها، كلما زادت قدرته الكلامية، وهذه ربما هي الأداة الأكثر فعالية والتي يمكن منحها لأي طفل. لذلك، على سبيل المثال، تأكد من أن تشرح بأقصى لغة وصفية، كل ما يحدث حوله، من يتواجد في الغرفة، وماذا يفعلون، أو ما هي الأصوات التي يستمع إليها. يمكنك أن تلعب لعبة جميلة: “أنا اسمع …..” لأنها تزرع في الطفل الرغبة في تكرار جملة واحدة ولكن أيضا تتطلب منهم التفكير مليا لملأ الفراغ. لذلك اجلس في الخارج وانصت إلى الأصوات واطلب من طفلك أن يخبرك ما هي الأصوات التي يسمعها. ساعده بالقول: “اسمع صوت دراجة نارية، اسمع صوت طائرة، اسمع حفيف الأوراق والنسيم يداعبها، الخ.” حثه على الانصات واجمع له مجموعة صوتية خاصة به.
- اشرح له لغة المبصرين غير المنطوقة.
اشرح له ما يجري من حوله. وحتى يتمكن من “الاندماج” في عالم بصري ومرئي، فأنه يحتاج لفهم ما يفعله الناس ولماذا يفعلونه. صف له اللغة غير اللفظية للآخرين، اعط تفاصيل عن الابتسامات والإيماءات التي تتمم أحاديث الآخرين وتساعده على محاكاة ذلك متى كان مناسبا. هذه الأمور ستجسر ما قد يُنظر إليه على أنها هوة في سلوكه الاجتماعي.
- حول الاستجابة الصحيحة إلى صيغة سؤال أو موقف.
وكزة خفيفة أو إشارة لطيفة باتجاه الاستجابة المناسبة أو السلوك المناسب هو كل ما يحتاجه الطفل ليتصرف بصورة صحيحة هذه المرة، كما أن الثناء الايجابي عليه سيعزز أن يتذكر الطفل الأمر الذي قام به بشكل صحيح، لذلك فقد يمكنه استخدام هذا السلوك في المرات القادمة، حيث أن النجاح يولد المزيد من النجاح. على سبيل المثال:
تقول معلمة الحضانة كل صباح: “كيف حالك اليوم تومي؟”
يجيبها تومي كل صباح: ” كيف حالك اليوم تومي؟”
أمه التي تقف خلفه تهمس في أذنه: ” تومي بخير وتناول طبقا كبيرا من حبوب الإفطار هذا الصباح.”
هذه هي الاستجابة الصحيحة لو كانت الأم تجيب على المعلمة، ولكنها تقولها لتومي فقط. الآن لدى توم الخيار، قد يكرر ما اعتاد على تكراره، ولكن في يوم ما قريبا جدا، قد يجيب تومي بالإجابة الصحيحة.
أو …
تقول المعلمة: ” كيف حالك اليوم تومي؟”
ثم تتابع: “كان هذا سؤالا يا تومي. أود أن أعرف إذا كنت بخير اليوم أو غاضب أو حزين أو سعيد.”
هنا قد استمع تومي لأجوبة على سؤال المعلمة ولديه فكرة أفضل للرد. وبالإضافة إلى ذلك، حتى لو كان يعاني من الايكولاليا، فمن المرجح أن يكرر كلمتها الأخيرة –”سعيد”- والتي يمكن تفسيرها على أنها استجابة ايجابية ومناسبة لسؤال المعلمة، وهذا بحد ذاته علامة نجاح!
- تبسيط حديثك.
عندما يكون طفلك صغيرا جدا وقد بدأ للتو بالكلام، فمن الأفضل إبقاء الأمور بسيطة، بحيث أنه لو قام فعلا بتكرار ما تقولينه، فسيكون صائبا. لذلك، وعلى سبيل المثال، يمكنك القول، “إلى اللقاء حبيبي” بدلا من القول “إلى اللقاء تومي”، لأنه حينما يكرر جملتك “إلى اللقاء حبيبي”، ستبدو جملته صائبة. وبما أن الأطفال المكفوفين قد يواجهون صعوبة مع الضمائر، فمن الجيد التوقف عن استعمال الضمائر بشكل نهائي، على الأقل حتى يبلغ طفلك الرابعة أو الخامسة من عمره ويكون مستعدا لتعلم الضمائر. قد تشعرين بالسخافة عندما تقولين جملا من نوع: “ستصحبك الأم الآن”، “يبدو أن تومي يشعر بالتعب”، ولكن ذلك سيساعده على معرفة من الشخص الذي تتحدثين عنه بدون الحاجة إلى فك شفرات كل هذه الضمائر الصعبة.
- لا تسأل أسئلة التي لا داعي لها.
عندما تسألين سؤالا وأنت لا تتوقعين فعليا أن تتم الإجابة عليه، فإنك تخلقين المزيد من الضغوط لطفلك. فبدلا من قول “هل أنت مستعد للاستحمام؟” يمكنك القول “الحمام جاهز!” أو “حمام تومي جاهز!” في كلا الحالتين، فإنك تمنحين طفلك عبارة يمكنه تكرارها وتعلمها كإشارة للدلالة على الاستعداد للاستحمام. بالإضافة إلى ذلك، ماذا لو أجاب طفلك سؤالك بكلا؟ ستأخذينه للاستحمام حتى لو أجاب لا في كل الأحوال، لذلك لا تدعي الموضوع مفتوحا للنقاش!
- استغلي نقاط القوة لدى طفلك.
إذا كان طفلك يتمتع بمقدرة تكرار الكلمات والعبارات فاستغلي هذه المقدرة لتعليمه الكلام بطريقته الخاصة! دعيه يقلد عباراتك بينما تشكلين عباراتك وكلماتك ببطء، وشجعيه على ملأ الفراغات. هذه طريقة رائعة للسماح لطفلك بالسيطرة على لغته. إليك هذا المثال:
تدحرج الأم الكرة باتجاه تومي قائلة: “لدى تومي الكرة!”
يمسك تومي الكرة قائلا: “لدى تومي الكرة!”
اليوم التالي، تدحرج الأم الكرة باتجاه تومي قائلة: “لدى تومي الكـ—-”
يمسك تومي الكرة قائلا: “لدى تومي الكرة!”
اليوم التالي، تدحرج الأم الكرة باتجاه تومي قائلة: “لدى تومي ال—-”
يمسك تومي الكرة قائلا: “لدى تومي الكرة!”
اليوم التالي، تدحرج الأم الكرة باتجاه بصمت بدون أن تقول أي كلمة.
يمسك تومي الكرة قائلا: “لدى تومي الكرة!”
في هذه المرحلة يتلقى تومي العناق والكثير من القبلات لأنه تكلم بكلماته هو!/i>
- لا تنجر وراء رغبتك لتجاهل اضطراب الكلام لدى طفلك.
إن أي حديث هو محاولة للتواصل ويستحق استجابة منك. مهما كانت جودة المحتوى، فإن طفلك يحتاج إلى معرفة أن جهوده قيمة ومحط تقدير منك.
- ابحث عن معالج صعوبات نطق يستطيع ان يحفزك ويلهمك أنت وطفلك معا. إن قدرتك على وضع ثقتك في مشورة مهنية واتباعها سيكون إضافة قيمة في عملية مساعدة طفلك.
هذه مسألة تستغرق وقتا طويلا، لا توجد حلول سريعة، ولا عصا سحرية، بل إن الوضع يشبه قليلا حرب العصابات، يجب أن تبقى دوما متيقظا ، ودوما مستعدا ومتسلحا بالكلمة أو العبارة الصحيحة (أو حتى أحيانا بعناق متفهم) حتى يمر اليوم عليك بسلام. وتذكر، أن الأمر ليس سهلا على طفلك أيضا. ابدأ من اليوم وساعد طفلك حتى يتسنى له دفع نفسه تجاه حرية التعبير. (فكر فقط في كل المحادثات الرائعة التي ستجريها معه عندما يكبر!!!)