يلعب مع الآخرين بصورة جيدة
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
قد يكون هذا المشهد مألوفا بالنسبة لك….
نحن نلعب في الحديقة في آخر النهار لأن هذا هو الوقت الذي تخلو فيه الحديقة من الزوار، لا أحد سواي وسوى ولدي الصغير إيفان.
تقترب عائلة أخرى وأبدأ بالشعور بالتوتر. هل علينا المغادرة؟ لدى العائلة الأخرى طفلة بعمر ولدي، أي تبلغ حوالي السنتين، وهي تضحك أثناء جريها للمراجيح.
ينقبض قلبي. لماذا تعين عليها الضحك؟
انطلق صراخ إيفان الذي يصم الآذان وملأ الآفاق، بينما كنت اجمع أغراضنا استعدادا للمغادرة.
في عمر السنتين، كان ايفان يعاني من مشكلة كبيرة للغاية: إيفان يكره الأطفال.
ولا أعني بذلك أنه يكره الأطفال فقط ويفضل اللعب بمفرده… لا، ولكن ابني فعلا يكره الأطفال. إذا كنا بالقرب من طفل آخر، يبدأ إيفان بالركل والصراخ وكأننا اقتربنا من وحش يأكل الأولاد.
بدا وكأن إيفان يرتعب أشد الرعب من الأطفال.
كنا قد بدأنا الاستعداد والتحضير لينتقل إيفان إلى مرحلة ما قبل المدرسة خلال أقل من سنة. إن الأمل في مشاهدة إيفان يجلس بسلام في فصل دراسي مليء بغيره من الأطفال بدا مشهدا من الصعب جدا تخيله. علمنا حينها أنه يتعين علينا تغيير سلوكه وبسرعة!
ربما قد مررت بهذا مع طفلك. غالبا ما يشعر الأطفال ضعاف البصر بالاستياء بالقرب من الأطفال الآخرين. في الكثير من المرات سنجد أنهم على ما يرام، سعيدين ويستمتعون بيومهم خارج المنزل مع والديهم، حتى يسمعوا فجأة صوت طفل يضحك أو يبكي، وحينها يتغير كل شيء. وهناك بعض الأطفال المكفوفين الذين يتحسسون حتى من أشقائهم. أعرف عددا من الآباء والأمهات الذين يحاولون بيأس تفريق أطفالهم وابقائهم بعيدين عن بعضهم البعض حتى يسود الهدوء. وهذه ليست طريقة مناسبة للعيش في منزلك!
ماذا بإمكانك فعله لتقليل حساسية طفلك تجاه غيره من الأطفال؟ إليكم ما فعلناه نحن لطفلنا….
حاول أن تفهم السبب
وعلى عكس الكبار، فإنه لا يمكن التنبؤ أبدا بما قد يُقدم عليه الصغار. قد يركضون ويتقافزون ويضحكون ويصرخون، هم مزعجون وصاخبون ومهتاجون وكثيرو اللعب.
تخيل الآن أنك تقلصت لحجم طفلك، وأنت ضعيف البصر أو كفيف. هل ستشعر أنت بالارتياح من وجودك في غرفة مليئة بالأطفال؟
يمتلك الأطفال مقدرة رهيبة على التصرف كملائكة في لحظة، والانفجار في نوبة غضب في اللحظة التي تليها. لا يوجد أي منطق لتصرفاتهم، ويحبون رمي الأشياء.
قد يربط طفلك بكل بساطة الأطفال الآخرين بالأصوات المرعبة، والسلوكيات غير المتوقعة، والضربات المفاجأة من الأشياء المتطايرة. إذا نظرتم للموضوع من هذه الزاوية، فإن الخوف من الأطفال الآخرين أمر منطقي جدا!
كما قد يعاني العديد من الأطفال المكفوفين من موضوع التكامل الحسي، فمن غير حاسة الإبصار التي تساعد على خلق صورة شاملة لكل شيء، يكون من الصعب تقبل واستيعاب كل هذا الضجيج، والإزعاج، والروائح، والأحاسيس التي تتجه إلينا كل يوم. يشعر الأطفال ضعاف البصر أو المكفوفين بسرعة بالضيق والإرهاق من الأصوات العالية أو غير ذلك من المدخلات الحسية الأخرى.
ما عليك القيام به هو مساعدة طفلك على معرفة ما يحدث حوله وعلى تغيير انطباعاته السلبية المسبقة عن الأطفال. ولكن أولا، من الجيد أن ….
وضع الأهداف
قد يبدو التصدي لمشكلة كبيرة أمرا شاقا في البداية، ولكن إذا وضعت أهدافا واقعية وقابلة للتنفيذ فإن فرصك للنجاح ستزداد.
عندما كنا نحاول مساعدة ولدنا على التأقلم على التواجد حول غيره من الأطفال، كان هدفنا الأول هو انتقاله بنجاح إلى الحضانة في سن الثالثة.
ولكننا بدأنا أولا مع هدف أصغر: أردت أن يكون إيفان قادرا على الجلوس طوال فترة قراءة القصة ومدتها نصف ساعة في المكتبة العامة.
موعد فترة قراءة القصة هو صباح كل خميس في غرفة الأطفال بالمكتبة، حيث تساعد أمينة المكتبة المرحة الأمهات والأطفال على الغناء وقراءة بعض الكتب عن الموضوع الذي تم اختياره لليوم، والختام بأغنيتين أخيرتين. كان ذلك عبارة عن تعذيب خالص لإيفان.
تحدثت إلى أمينة المكتبة أولا وشرحت لها مشكلتنا وما كنا نحاول القيام به، وتفهمهم لوضعنا ساعدنا بصورة كبيرة. لم أعد أشعر بالقلق من طردنا أو تحديق موظفي المكتبة إلينا. كانوا لحسن الحظ ضمن فريقنا ودعمونا بشكل كبر!
نعود لهدفنا الذي وضعناه بوضوح، يجب علينا التفكير في كيفية تحقيقه!
خطوات تدريب الطفل
لو فكرت في الموضوع، ستجد أن الخوف من الأطفال الآخرين هي بالفعل مشكلة سلوكية. وقد يكون لدى طفلك أسباب منطقية للغاية للإحساس بتلك المشاعر، ولكن ردة فعله تجاه تلك المشاعر غير لائقة أبدا. تحتاج إلى مساعدة طفلك على ضبط مشاعره الخاصة، وتهذيب سلوكه. وهذا ما لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها.
في المشكلة التي كنا نواجهها في المكتبة، بدأنا بالجلوس خارج غرفة قراءة القصص والباب مواربا (بعد الحصول على إذن من أمينة المكتبة بالطبع). كان بإمكان إيفان سماع ما يدور في الغرفة، ولكن كان بإمكانه أيضا إدراك أن النشاط يحدث بعيدا عنه، وبالتالي يشعر بأنه بعيد عن منطقة الأذى.
بجلوسنا بعيدا عن الفعالية القائمة، تعلم إيفان الإصغاء إلى ما كان يحدث، وشرحت له ما كان يجري في الغرفة، وأن وقت قراءة القصص لم يكن بالأمر الخطير. جزء كبير مما كنت أحاول تعليمه إياه هو أن عدم ارتياحك من شيء ما، لا يعني أبدا أنك تستطيع رفضه والفرار منه. قف، استمع، وحاول معرفة ما يحدث حولك. هل هو آمن؟ هل تشعر بالارتياح؟ إذاً اهدأ ولا تجزع.
اقتربنا أكثر فأكثر من الباب كل اسبوع حتى وصلنا أمام باب غرفة قراءة القصة مباشرة. وأخيرا تمكنا من الجلوس على أعتاب الغرفة، واقتربنا أكثر وأكثر حتى وصل إيفان إلى منتصف الغرفة!
استغرقت هذه العملية ما يقرب من ثلاثة أشهر، وكانت فقط جزءا من الخطة. وبينما كنا نحضر فترة قراءة القصص كل خميس، كنا نعمل أيضا بقية الأسبوع على تغيير انطباعات إيفان تجاه غيره من الأطفال.
تغيير الانطباعات
قد يربط طفلك بين الأطفال والأمور المرعبة وغير المتوقعة، وجزء من عملك هو تغيير هذه الانطباعات. تريدين أن يسمع طفلك أصوات الأطفال الآخرين ويفكر: “آه، هناك أطفال هنا، لا بد أن هناك شيئا ممتعا يحدث الآن!”.
أعددنا قائمة بالأشياء التي يحبها إيفان جدا جدا، ثم بذلنا جهدنا أن يشارك إيفان في هذه الأنشطة وهو بالقرب من الأطفال الآخرين. هذه قائمتنا بالأشياء التي يحبها إيفان فعلا عندما كان عمره سنتين (في الواقع لم تتغير اهتماماته كثيرا وهو في الرابعة من العمر):
- السباحة
- الأكل
- التأرجح
- الاستماع إلى الموسيقى
هل فهمت الآن مغزى ما قمنا به؟
أخذنا إيفان إلى المسبح العام تقريبا كل يوم حتى يستمتع بالمياه. ثم استفسرنا عن الوقت الذي يأتي فيه العديد من الأطفال وأخبرونا بأن هناك فصل لتعلم السباحة مساء كل أربعاء. توجهنا للمسبح كل أربعاء، وتمسك إيفان بي بشدة عندما كان الأطفال يرشون المياه علينا ومن حولنا في المسبح، ولكنه لم يبكي، فقد كان الماء ممتعا بالنسبة إليه أكثر من رغبته في البكاء. كان وجود الأطفال من حوله يقلقه ويزعجه، ولكنه كان مفتونا بالمياه.
في بعض الأيام وأثناء وقت تناول ايفان لوجبته الخفيفة، كنت أعد له طعامه المفضل، ونتوجه معا إلى الحديقة بالقرب من منزلنا. كنا نجلس تحت الشجرة ونتناول الخوخ وشطائر الفول السوداني بينما نستمع إلى صراخ الأطفال الذين يلعبون في الحديقة. لم تكن تلك الأصوات لتعجب إيفان، ولكنه حاول تجاهلها لأن الطعام كان لذيذا جدا.
بعد الانتهاء من تناول طعامه، كنت أأخذه إلى الأرجوحة، وأدعه يشعر بتمايل الارجوحة للأمام والخلف بينما يتراكض بقية الأطفال من حولنا في الحديقة. كان ذلك الجزء الأصعب في خطتنا، ولكن في النهاية تمكن إيفان من تمالك نفسه بدرجة كافية تسمح له بالاستمتاع بالتأرجح وهو يسمع أصوات بقية الأطفال.
وأخيرا، حاولنا أخذ إيفان لمشاهدة حفلات موسيقية مباشرة بقدر استطاعتنا، وكان هذا أجمل شيء بالنسبة إليه. كنا نحضر عروضا مجانية في المكتبة، وحفلات صيفية في الهواء الطلق، وأية عروض أخرى يقبل فيها الفنانون الغناء لمجموعة من الأطفال كثيري البكاء والعويل. كان إيفان يبكي ويتشبث بي حتى يسمع صوت البيانو أو الجيتار، عندها يسترخي ويبدأ في الإنصات للموسيقى.
بعد شهور من ممارسة هذه الأنشطة، بدأ إيفان بالفعل في ربط الأطفال بالأشياء الممتعة. الأطفال موجودون في المسبح، والحديقة، والحفلات الموسيقية. يحب الأطفال القيام بالأشياء نفسها التي يحبها إيفان! إذا استمعنا لأصوات الأطفال، لربما حينها ستحدث أشياء ممتعة!
كونوا صبورين
لن أكذب عليكم وأقول لكم بأن الأمر كان سهلا للغاية، بل كانت تلك الشهور أقسى فترة مرت علينا في حياتنا. الاستمرار في أخذ أطفالكم لأماكن تعلمون جيدا أنه لن يكون سعيدا فيها أمر صعب للغاية، ومؤلم ومخالف للفطرة. فنحن أباء وأمهات وفطرتنا تملي علينا حماية ابنائنا، لا تعذيبهم!
ولكني كنت أعلم في قرارة نفسي أن هذا كان في صالحه، وقد علمت أنه إذا لم يتمكن إيفان من التغلب على مخاوفه، فإنه سيعاني الأمرين عندما يدخل الحضانة. ولكن وكما اتضح لاحقا، بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من التواجد باستمرار حول الأطفال، أدرك إيفان أن الأطفال ليسوا بهذا السوء الذي يتصوره! وكان يومه الأول في الحضانة رائعا جدا!
آمل أن يحالفكم النجاح مع أطفالكم أيضا. إذا كانت لديكم أية نصائح ترغبون في إضافتها، شاركونا بها!