قسوة الأغراب
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
ماري ماكدوناك
لقد رزقك الله بطفل! بورك لك في الموهوب!
إنها طفلة جميلة، وتتمتع بصحة جيدة، تماما كما تمنيتها أن تكون- ولكنها لا ترى. علمنا ذلك بوضوح، ومنذ الوهلة الأولى.
في حالتنا، كان لطفلتنا أجمل شعر أبيض ناصع البياض، وأصفى عينين زرقاويين مترأرأتين وبلا تركيز. كان من الواضح أنه ليس بمقدورها “تثبيت” نظرها على الأشياء، ولا حتى على الأشخاص، ولم يكن أي شيء ليؤثر عليها، حتى الرياح لم تكن لتدفعها للابتسام.
لكنها كانت جميلة! حدث ذلك في العام 2004- إلى أي درجة كانت اصابتها بمرض الألبينية (المهق/ البهق) أمرا سيئا؟
“الروح الصغيرة المسكينة”
كانت طفلتي ما تزال في وحدة العناية المركزة لحديثى الولادة (الخدج) حينما وللمرة الأولى شعر شخص ما بأنه من المنطقي الإشارة إليها بقوله “الروح الصغيرة المسكينة”، قالتها إحدى الممرضات.
وكان ذلك مفهوما، نظرت إلى طفلتي مجددا لأتأكد ما إذا كانت الممرضة ترى شيئا لا يمكنني أنا رؤيته- ولكن كلا، رأيت طفلة سليمة قوية، الطفلة التي لطالما انتظرت قدومها. من المعلوم بوضوح أنها لم تكن ترى، وأنها مصابة بالألبينية (المهق/ البهق)، كما أنها كانت صغيرة بعض الشيء لأنها جاءت مبكرة جدا (23 اسبوعا/ الشهر الثامن، ووزنها 4 أرطال و13 أونصة)، ولكن اخصائية الولادة أخبرتني بأنها “تبدو كطفل صغير مكتمل النمو تماما.”
شعرت بأنه لم يكن من الصواب أن أفتعل قضية مع الممرضة، لذلك عندما كررت كلمتها تلك مرة أخرى، وافقتها على ذلك. ولكن ماذا يمكن أن تكون قد رأت في طفلتي ذلك الذي جعلها محط شفقتها؟ لم تكن لدي أدنى فكرة، وتركت الأمر يمر، وفكرت بأنني إن لم أقبل بهذا الوصف لابنتي فذلك بسبب أن وصف الممرضة لم يكن صائبا.
أشعر اليوم بأني قد كنت مخطئة، ليس حيال الحاجة إلى شفقتها، ولكن كيف أنه قد تعين علي حينها أن أدع الممرضة ترى ما كنت أنا أراه.
ومرت الشهور سريعا …
طفلتي اليوم طفلة سعيدة وتتمتع بصحة جيدة وشخصية مستقلة وتتعامل مع العالم بشروطها الخاصة. ما زال شعرها أبيضا، وما زالت مصابة بالألبينية (المهق/ البهق)، وقد تم تسجيلها على أنها كفيفة البصر، وأنا اكتسبت خبرة تخولني لتأليف كتب عن الألبينية (المهق/ البهق)، ولكنني مشغولة للغاية.
يقترب الناس منا عندما نكون خارجا، وذلك لأنها طفلة في المقام الأول وهذا ما يفعله الناس عادة. ولكنهم يبقون ليتواصلوا معها بسبب شعرها الأبيض ومظهرها، فالجميع يرغب في التعليق على مظهرها والحديث معها ولمسها.
اعلم بأنه بإمكانهم رؤية ما أنا أراه، بأن نظراتها بلا تركيز، وأن عينيها تتراقصان، وأنها مصابة بالألبينية (المهق/ البهق)، ولكن، وكما هو واضح، فإنها مجرد طفلة صغيرة. لا أحد يفكر حتى مجرد التفكير بأن يشير إلى بهاقها لأمها، فالناس متفهمون للغاية، وهم مؤدبون في الأساس، ويمتلكون اللباقة بصورة أساسية.
أنا على حق، ألا تظن ذلك؟
يجب أن يكون لديك عذرا مبررا لتتجرأ على الإشارة إلى المشاكل التي تعاني منها هذه الطفلة. لفظيا. لأمها. في مكان عام. شخص غريب عنك تماما.
هذا أمر لا يحدث أبدا.
في العالم الحقيقي
إذا كان لديك طفلا ذي إعاقة، فأنت تعلم بأن مثل هذه الأمور تحدث. كل يوم. بانتظام رتيب حيث يذهب الناس إلى حد بعيد ليتأكدوا من أنني أعلم بأن هذه الطفلة مختلفة.
كان أصعب الأوقات بالنسبة لي عندما كنت أغير من توقعاتي تجاه ما تستطيع طفلتي القيام به. وتزامن ذلك مع فترة قصيرة كنت أظن خلالها أنه من واجبي أن أبقى مهذبة أمام العالم بأسره.
كطفلة صغيرة، استمعت إلي ابنتي وأنا أتحدث مع الغرباء عن غرائب المتغيرات الجينية (تحمر وجنتاي خجلا عند تذكر ذلك). استمعت طفلتي إلي وأنا أشرح لأشخاص لم أقابلهم من قبل ولن أقابلهم مجددا، وهذا ما اتمناه، عن علم الوراثة، وصبغة الميلانين، وتركيب الدماغ.
اسأل الله أن يقطع لساني لو شكرت بعد اليوم أي شخص استخدم ابنتي لشرح مرض الألبينية (المهق/ البهق) لابنه غير المهتم، وأنهى حديثه بالقول: “ستكون بخير إن شاء الله”. (وأظن أن هذه المرأة بالتحديد كانت طبيبة.)
لقد اضطرت طفلة صديقتي لارتداء خوذة طبية لفترة طويلة، وتكاد تبكي فقط عند تذكرها كيف تبعتها امرأة حول المتجر وهي تقول لزوجها: “أسرع قبل أن يفوتك رؤية هذه الطفلة المسكينة. تعال يجب أن تراها”. كما لو أن السيرك قد وصل المدينة بدون ضجة، وسيفوتهم التفرج عليه!
اعتقد أن كل واحد منا لديه قصة مروعة يرويها عن قسوة الغرباء (أما قسوة عائلة بأكملها فتلك قصة أخرى!). كيف يتسنى لوالدين التعامل مع هذا الموضوع بصورة جيدة؟
تختلف الأسر عن بعضها وكذلك تختلف المواقف التي يتعرضون إليها، ولكن إليكم نصائحي في ضوء النتائج التي استخلصتها من تجربتي:
- دعهم يقولون ما يشاؤون.
من واقع تجربتي فإنهم سيتحدثون في كل الأحوال. - إذا ظننت بأنهم مخطئون، فلا توافقهم الرأي أبدا.
Yلأنك لن تسامح نفسك في ما بعد. من الأسهل أن تعترض بأدب على ما لا يعجبك، من أن تتجاهله، ولكن ذلك ينفع في بعض الأحيان أيضا. - التظاهر بعدم رؤية ما يرونه والرد عليهم بطريقة شريرة.
يمكنك أن تقول: “يا الهي، أنت تعتقد أن هناك خطبا ما بابنتي؟ ليستدعي أحدكم الطبيب حالاً!” - إذا كنت في وقت من الأوقات تشعر فعلا بالرغبة في شرح أسباب المرض ومسبباته، فافعل ذلك ولكن بالدرجة التي تريحك ولا تسبب لك ازعاجا. فالأمر لا يعنيهم في حقيقة الأمر.
- تذكر دائما أنه بإمكان طفلك أن يسمعك.
حتى لو اعتقدت أنه ليس بإمكان طفلك فهم ما تقوله، إلا إنه سيعلم حتما بأنك تتحدث عنه. - ابحث عن صيغ كلامية تناسب طفلك أيضا.
سيتعامل طفلك مع هذه المواقف طويلا جدا بعد أن تنتهي من مرافقتهم بعد كل رحلة. جمل من نوع: “لا يمكنها الرؤية جيدا” جملة تناسبني، فهي تشرح وتفسر ولكن من غير تفصيل، وتتيح لطفلك أن يمتلك جوابا جاهزا للكبار عند سؤاله. - كن منطقيا مع الأطفال.
في المرات القليلة التي تساءل فيها طفل من الأطفال الآخرين عن حالة ابنتي، وجدت ان تساؤلهم ينبع من رغبة حقيقية للفهم، وأنا أسعد دوما بتفسير الحالة لهم، ولكنني أحاول تبسيط الشرح ليتمكنوا من الفهم. - كملاذ أخير، قف مدافعا عن موقفك.
إذا شعرت بأن أحدهم كان وقحا للغاية، أو متعنت جدا في آراءه، أو يمارس التمييز ضد طفلك، فلا تقبل بذلك أبدا ولا تتسامح معه. إذا قبلت بذلك، وحتى بعد مرور عشرين سنة، ستظل توبخ نفسك بقسوة على تخاذلك، لذلك وفر على نفسك العناء واصدح برأيك. وستشعر بشعور أفضل بعدها.
إن اختلاف الشخص عن البقية أمر من الصعب جدا التصالح معه عندما يتعلق بشخص تحبه، وعندما يحدث مع طفلك فإنه يصبح أصعب بكثير مما تتحمل فهمه وإدراكه. لماذا هناك الكثير من الأشخاص الوقحين عندما يتعلق الأمر بالأطفال ذوي الإعاقة؟
اعتقد أن لذلك علاقة بالتوجه السائد حاليا نحو “الدمج والإدراج”، حيث لا يتم تخصيص “منازل للمكفوفين” بل ينمو الأطفال ويترعرعون في مجتمعات عادية. في السابق كثيرا ما كان يتم تشجيع الآباء وبقوة على إدخال أطفالهم المكفوفين إلى معاهد خاصة بحيث لا يكبر الأطفال ضمن مجتمعاتهم بل معزولين، حيث أنه يتم استبعاد الأطفال في الأساس وهذه البربرية والوحشية لم تتوقف إلا مؤخرا. وهذا عنى أن الأشخاص الأسوياء الذين يعيشون حياتهم اليومية لن يضطروا لرؤية الاختلافات الطبيعية داخل أي مجتمع والتفاعل معها وقبولها.
لذا، وكمجتمعات، لم يجد الناس طرقا لتسوية أوضاع هؤلاء الأطفال، أو حتى طرقا للحديث بتعقل مع أباءهم. لقد تغيرت الظروف، ولكن كمجتمع، ما زال الناس يتقدمون ببطء. ربما لا يملكون طرقا معقولة ومهذبة للحديث مع آباء هؤلاء الأطفال لأنهم ببساطة لم يسمعوا أحدا من قبل يُجري هذا النوع من المحادثات.
وبعض الناس ليسوا اجتماعيين في الأساس، وأفترض أنهم لا يعلمون أن تعليقا سلبيا واحدا يمكن أن يكون مدمرا لحياة أم جديدة لطفل ذي إعاقة. أفضل نصيحة تلقيتها على الإطلاق هي:
اسعى جاهدا لتحقيق سعادتك.
وهذه النصيحة ساعدتني كثيرا.