التنمر: من منظور أم حول تربية ابنها الكفيف
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
ماري ماكدونالد
انا متأكدة أنك قد فكرت في تفاعل طفلك الاجتماعي في المستقبل مع أطفال في مثل سنه، وكيف أن كونه كفيف البصر قد يؤثر على قدرته على تكوين صداقات، وكيف أنه قد يكون هدفا سهلا للتنمر.
وحتى لو كنت ترى طفلك طفلا صغيرا رائعا كاملا، فإنك تعلم بأن بقية الأطفال سيروونه كشخص مختلف، وكثيرا ما يشجعهم هذا الاختلاف على التعدي عليه أو نبذه أو حتى التنمر عليه.
لا أزعم أبدا بأن هذا ما يحدث دائما، لأن هناك عامل مهم جدا يجب أخذه في الحسبان وهو الكيفية التي يتجاوب فيها طفلك مع بقية الأطفال. ولكن من المهم بالنسبة لك أن تعلّم طفلك كيفية التعامل مع التنمر الآن، حتى يتجنب العذاب الذي قد يلقاه في ساحة اللعب!
لماذا يتنمر الأطفال؟
إن التنمر مشكلة نواجهها جميعنا، وانا أظن بأن كل الآباء يضطرون للتعامل مع نفس المخاوف عندما يتعلق الموضوع بالتنمر- وحتى أمهات الأطفال المتنمرين يقلقون حول ما إذا كان هناك أطفالا متنمرين أكثر من أطفالهن وأقسى منهم! وكل طفل عرضة للتنمر، وعرضة لأن يواجه طفلا آخر أسرع أو أقوى منه، أو أغنى أو أكثر شعبية. ولكن لا يوجد ضحية أضعف من طفل كفيف لا يمكنه الرؤية.
ما يدفع المتنمرون للتنمر هو احساسهم بعدم الاستقرار، وهم يحولون ضعف وتدني مستوى ثقتهم بأنفسهم تجاه مضايقة الأطفال المختلفين عن بقية المجموعة، وبالطبع فإن المكفوفين هم أنسب من تنطبق عليهم هذه المواصفات. أولا، من الواضح جدا أن الطفل كفيف، وذلك يتضح من شكل العينين، أو اهتزاز عينيه (العيون الراقصة أو الرأرأة، وهي شكل من أشكال حركات العين اللا-إرادية)، أو من العين الاصطناعية، ولكن في كثير من الأحيان لأن الطفل الكفيف يقوم بالأشياء بطريقة مختلفة، كالمشي باستخدام العصا البيضاء، أو وجود مساعد خاص له في الفصل، أو أن يقضي معه المعلم وقتا أكثر من البقية.
ولقد تأكدت من خلال تجربتي أن الأطفال المتنمرين هم الأطفال التعيسين أو الذين تعرضوا لأذى شديد وعميق، وليس لديهم قدوة جيدة ليتعلموا منها السلوك الصحيح، ولكن من المهم أيضا بالنسبة لي كأم لطفل كفيف أن أدرك بأن هذه ليست مشكلتي.
سيكون من السهل محاولة تفسير هذا السلوك لطفلك، وجعل التنمر هو نقطة ارتكاز للإجراء العلاجي. ولكن كونك والد لطفل كفيف، فأنت لا تملك الوقت لتسخير أية طاقة نحو الطفل المعتدي، لأن ذلك سيستهلك كل وقتك وتفهمك وصبرك الذي يجب توجيهه لطفلك ولتعليمه أساليب الحماية والوقاية من تلك التصرفات.
لا اعتقد بأن المتنمر يمكنه التركيز على أي شيء، حيث أن سبب تنمره عشوائي. أضف إلى ذلك أن المتنمر لا يمل أبدا من كثرة التنمر- ذلك أن التنمر على طفل واحد هو بسهولة التنمر على عشرين طفل في نفس الوقت، حيث أن الشعور بالرضا الذي يحصل عليه المتنمر هو ما يدفعه للمزيد منه، ولديه دائما الوقت الكافي للتنمر على المزيد من الأطفال- وهذا ما يشكل وصفة مثالية لتفاقم المشكلة.
كيف تحمي طفلك من التنمر؟
من المحتمل أنه قد خطر ببالك (ذلك ما حدث معي بالتأكيد) أن تدرس طفلك في المنزل. لن أفعل ذلك. سيعيش طفلي حياة طبيعية وسعيدة كأي طفل آخر، وسأقاتل كل عيوب النظام المدرسي بكل ما أوتيت من قوة.
أكثر ما أقلقني حول موضوع التعليم المنزلي هو تساؤلي حول ما سيحدث لو صدمتني سيارة واضطررت لقضاء ستة أشهر في المستشفى. حينها “ستُرمى ابنتي لقمة سائغة للذئاب” في أية مدرسة بها شواغر وتستقبل الطلاب الجدد في الحالات الطارئة، وحينها ستذهب كل خططي أدراج الرياح.
لذلك فإن خطتي لتعليم ابنتي ستكون كالتالي: التأكد من أن أول محاولة تنمر تواجهها، تكون الأولى والأخيرة. من المهم لتحقيق رفاه وراحة الأطفال أن يمتلكوا استراتيجية نافعة وتصلح للتطبيق. لو كانت طفلتي مبصرة، فإن الاستراتيجية النافعة ستنطوي على الهروب والصراخ طلبا للمساعدة. ولكن الجري والهرب بعيدا ليس خيارا لطفلتي، وهي تحتاج لحماية نفسها.
فيما يلي عرض لبعض الاستراتيجيات التي ستساعدك على إعداد طفلك لمواجهة التنمر:
- علم طفلك احترام الذاتحتى يتسنى لطفلك الاستفادة من احترام ذاته، فيجب أن يراه متمثلا ومطبقا أمامه، وأن يقبل تماما بحقيقته وما هو عليه في الواقع دون قيد أو شرط، وأن يتم تقديره واحترامه لذاته ولما هو عليه. ولتحقيق هذا الهدف لطفلتي، فقد بدا لي أن توفير تعليم جيد لها في مرحلة الحضانة هو أفضل السبل للبدء، وبالتأكيد كان ذلك ذا قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لها.كما أنه يقدم للطفل على المدى البعيد فوائد أكثر لو انتقل نفس الأطفال في صف الحضانة معا إلى الصف الأول في المدرسة، حيث أنه وبتلك الطريقة فإن الأطفال بدأوا باللعب والتواصل مع بعضهم البعض والتعلم والدراسة معا في وقت مبكر قبل تكوينهم للمفهوم الحقيقي للاختلافات بين الناس، وعليه فإنهم يُظهرون تقبلا بسيطا وعميقا للآخرين.
- كن معروفا لدى الجميع في مدرسة طفلكقم بزيارة مدرسة طفلك وتعرف على سياساتهم لمنع التنمر والحماية من المتنمرين، واسأل عن الكيفية التي يتم بها تطبيق هذه السياسات. هل تتماشى مع أحدث الممارسات المتاحة حاليا؟ ما هي العوائق أمام تطبيقها؟ هل هي نافعة؟ هل يمكنك مقابلة آباء جربوا هذه السياسة من قبل واستفادوا منها؟كما تأكد من أن تبين لهم بصورة واضحة أنك أب/أم استباقي همه الأوحد تقديم الأفضل لطفله ولا شيء يمكن أن يشغله عن التأكد من حصول طفله على خبرات مدرسية جيدة. من المدهش كيف أن هذا النهج في التعامل مع مدرسة طفلك يمنع حدوث المشاكل (فهم يفكرون كيف أنه “يتعين عليهم حل مثل هذه الإشكاليات سريعا لأن أولياء الأمور سيثيرون الكثير من الضجة لهم!” وهم على حق لأن ذلك ما سنفعله!)
- سجل طفلك في صفوف الأنشطة اللاصفية الإضافيةطريقة أخرى لتعزيز احترام النفس لدى طفلك هو عبر حضوره دروس الدفاع عن النفس أو المسرح. هذه أيضا طريقة ممتازة لطفلك لمقابلة أطفال أكثر في مثل عمره وتكوين علاقات اجتماعية أوسع وأكبر.
- علم طفلك كيفية التصرف والردإلى ماذا يسعى المتنمر؟ يسعى المتنمر إلى إشعار طفلك بالجبن أو إلى دفعه للبكاء. لا يرغب المتنمر في أن يرد عليه طفلك، أو أن يسخر منه، أو أن يتجاهله ولا يبالي بالموضوع برمته.يرغب المتنمر في سلك أقصر الطرق لإشباع حاجته من التنمر، لذلك عليك التأكد من أن يستجيب طفلك ويرد على المتنمر بحيث يقطع الطريق على المتنمر ويدفعه للكف عن تنمره وإعادة التفكير في النظر إلى طفلك كهدف سهل لتنمره. إذا بدا للمتنمر أن تنمره على طفلك لا يستحق عناء ذلك، سيتردد قبل استهداف طفلك مرة أخرى. لذلك تأكد من تعليم طفلك عدم السكوت والدفاع عن نفسه!
- علم طفلك اللين والأدب وحسن الخلق هذه فرصة مناسبة للحديث مع طفلك عن الفرق بين التنمر وحسن الخلق، لأنك لا ترغب في أن يتحول طفلك للشيء الذي تستميت أنت لتدفعه عنه، وان يتحول طفلك لمتنمر في صفه!
من الحملان للأسود
توصلت دراسة أجريت في بريطانيا في العام 2005 إلى دليل مفاده أن الأطفال من سن 7-8 سنوات الذين يرتدون نظارات أو رقعة على العين يكونون عرضة لخطر التنمر والإيذاء الجسدي بما نسبته 35-40% أعلى من غيرهم بغض النظر عن نوع ودرجة إعاقتهم البصرية. وفي رأيي أنا، ليس المهم ما إذا بدأ التنمر، بل الأهم متى يبدأ.
قد تكون الوقاية أفضل من العلاج، ولكن قد لا تتحصل على أي ضمانات لمنع وقوع التنمر. وعلى أية حال، يمكنك أن تتأكد أن يتعلم طفلك طريقة واضحة مباشرة للتعامل مع التنمر في حال حدوثه.
أنا أوصي بالتعامل مع هذا القضية قبل أن تتحول إلى مشكلة، وأنا أتوقع بأن يتم اتهامي بمحاولة سلب القليل من براءة ابنتي. أنا أؤمن بشدة بأنني لم افعل ذلك، ما أفعله هو إعدادها للتعامل مع سلوكيات وتصرفات الأطفال الآخرين بما يضمن سلامتها.
كنت لأفعل نفس الشيء حتى لو لم تكن ابنتي من ضعاف البصر. وأعتقد بأنها مسجلة ككفيفة، فمن الضروري أن تكون لديها توقعات واقعية عن العالم كما هو، وليس توقعات عن عالم نرغب في وجوده. إنني اعرّض أقرب الناس إلى قلبي لتقلبات بقية الناس على هذا الكوكب، لتتعلم، لأنني لن أقدم لهم ابنتي ككبش فداء.