أنا أشعر بك واتحسس الأشياء معك: كيف تعلم طفلك الكفيف التعاطف والتفاعل الاجتماعي
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
ماري ماكدوناش
ما هو في اعتقادك أصعب أمر على الاطلاق يتعين علينا نحن الآباء تعليمه لأولادنا؟
هل هو التدريب على استخدام المرحاض؟
قد يستغرق تعليم الطفل على التحكم في بوله سنوات من التنظيف والمسح بعد عدد من مرات التبول غير المقصودة، وتفهم الفراش المبلول في منتصف الليل، والصبر على البحث عن الحمامات العمومية في المتاجر للمرة الثالثة على التوالي في نفس الزيارة.
هذا ليس بالأمر السهل.
أم أن ما يخيفك أكثر هو تعليم طفلك الثقافة الجنسية؟
هل يقلقك أن تضع “سلاحا بذخيرته”- أي المعرفة حول التكاثر الانساني- في أيادي صغيرة لا تعرف الرحمة، والعيش لأسابيع وانت تتلقى الاسئلة وتتعرض للتحقيق حول وظائف جسم الإنسان كاملة مع مسمياتها الطبية الصحيحة؟
هذا أمر صعب بالتأكيد.
ولكن إذا كان طفلا كفيفا، أو ضعيف بصر، هل فكرت كيف ستعلمه التعاطف؟
هل تفكرت يوما في مدى أهمية تعليم طفلك عن وجهات نظر الآخرين، وكيف أن هذا التعليم قد يكون مختلفا تماما عن طريقة تعليم الطفل المبصر؟
لكي يصبح أطفالنا سعداء وأعضاء فاعلين في المجتمع، سيحتاجون إلى مساعدة أكبر بكثير من تلك التي يتطلبها تعليم الأطفال العاديين، وهم يحتاجون إلينا لإعادة صياغة وتعديل الدروس التي يتلقاها الأطفال المبصرون يوميا، وذلك حتى يكون لهذه الدروس فائدة في عالمهم المفتقر أوليا للبصر.
ما تعريف “التعاطف” وما أهميته؟
معنى أن تتعاطف مع شخص ما هو أن تفهم كيف يشعر ولماذا يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها. يساعدنا التعاطف على توقع ردود أفعال الآخرين تجاهنا ويجعل منا أشخاصا أفضل.
عندما بدأت القراءة والبحث عن التعاطف، كان لدي فهم أساسي لمعنى الكلمة ولكن لم أكن تقريبا أدرك مدى أهميته في حياتنا اليومية. اليكم ملخصا سريعا:
- إنه سبب عشقنا وشغفنا بتقليد بعض الأشخاص، كما أنه سبب احتقارنا لآخرين أو الشفقة عليهم.
- إنه الشعور الذي نجده بداخلنا ويدفعنا لحب الآخرين أو الحكم عليهم أو حتى مسامحة اخطائهم.
- إنه سبب فتحنا للأبواب، حقيقة أو مجازا، للآخرين.
- إنه سبب يجعلنا نشمئز من بعض الأفعال أو السلوكيات أو نسعد بها.
في الأساس، التعاطف هو ما يحرك مجتمعنا وهو ما يدفعنا لنصل إلى فهم أنفسنا، عبر النظر إلى العالم من منظور ذاك الشخص الآخر.
إذا كان طفلك كفيفا أو ضعيف بصر، فإن تعليمك إياه هذا الدرس هو أصعب أمر، والأكثر جدارة واستحقاقا وأهمية، وببساطة فهو أكثر الأشياء قيمة ستعلمه إياه أكثر من أي شيء آخر.
ماذا يقول الخبراء عن التعاطف
يلعب البصر دورا رئيسيا في تطوير الاحساس بالتعاطف. يبدأ الأطفال بالنظر إليك ليروا بماذا تشعر أو ما هي ردة فعلك تجاه لعبة يلعبون بها أو تجاه صوت سخيف قد أصدروه لتوهم. قد تكون رأيت من قبل أطفالا صغارا ورضع يلعبون بلعبة ثم يلتفتون إلى آبائهم، وإذا ما رأوهم يبتسمون لهم سيضحك الأطفال ويستمرون بلعبهم. هذه هو التعاطف: فهم أن شخصا ما يوافق على ما يفعلونه وراضٍ به وموافق عليه.
كما يستخدم الطفل المبصر الإشارة بيديه أو التحديق في شيء ما للإشارة إلى اهتمامه بذلك الشيء، وعندما يرى أن الشيء قد جذب كل من اهتمامه واهتمامك في نفس الوقت، فعندها يستطيع المضي في تفحص الشيء والاستفسار منك عنه.
يستخدم الأطفال هذه الأشكال البسيطة من التعاطف ليتمكنوا من تحديد الأوضاع العقلية للآخرين ولأنفسهم، وليحددوا ما إذا كان هذا الشخص يعرف عن شيء ما، أو إذا كان يتلاعب به، أو إذا كان صادقا وعادلا في حكمه، أو إذا كان الشخص سعيدا أو حزينا أو يشعر بالملل، الأمر بصورة أساسية هو ما يحتاجه طفلك لبناء ما يلزمه من الكفاءة الاجتماعية.
تشترك في هذه العملية القدرة على تمرير “مهام الاعتقاد الخاطئ”، كوسيلة قياس لقدرة الطفل على الحصول على وجهة نظر الشخص الآخر. إن “مهمة الاعتقاد الخاطئ” عبارة عن اختبار يرينا، عندما يعلم الطفل شئيا لا يعلمه شخص آخر، ما إذا كان الطفل يدرك أن الشخص الآخر لا يحمل نفس المعرفة التي يحملها الطفل؟
نعم، يبدو هذا منطقا معكوسا، ولكن إليك مثالا مبسطا: تم إعطاء الطفل جون علبة حلويات، وعند سؤاله: “ماذا يوجد في العلبة؟” أجاب جون بأنه توجد حلوى في العلبة. عندما فتحت العلبة ليرى الطفل ما بداخلها- مفاجأة! تحتوي العلبة في الواقع على أزرار.
ثم إذا تم تقديم الطفل إلى طفل آخر وسؤاله: “ماذا سيظن مايكل موجود بالعلبة؟” سيجيب جون أن مايكل سيعتقد أن العلبة تحتوي أزرارا. جون في هذه المرحلة ليس قادرا على التفريق بين ما يعرفه هو وما يعرفه مايكل. لا يمكنه النظر من منظور مايكل، وبهذا يكون جون قد فشل في اختبار “مهمة الاعتقاد الخاطئ”.
أشارت دراسة أجريت عام 1995 أن الأطفال المكفوفين عادة ما يصلون إلى سن الحادية عشر قبل أن يتمكنوا من النجاح في اختبار “مهمة الاعتقاد الخاطئ”، بينما يمكن للأطفال المبصرين تجاوزه في سن الرابعة.
كيف يمكنني تعليم طفلي التعاطف؟
يتعين على كل الأطفال رؤية التعاطف عمليا حتى يتسنى لهم فهمه. والحمد لله أن البصر ليس ضرورة قطعية لإيصال هذه الرسالة: ولكن لسوء الحظ، بدون البصر، تستغرق الرسالة مدة أطول لتصل طفلك لأنه لن يمتلك عددا لا يحصى من وسائل التعزيز المختلفة للرسالةولكنه حتما سيصل.
قضى علماء النفس والمربون سنوات عديدة وهم يبحثون في كيفية تعلم الأطفال المكفوفين وضعاف البصر: وكآباء وأمهات ما نحتاج لمعرفته هو أنه هناك تحديات معينة سيواجهها أطفالنا وكيف يمكننا تسليحهم بأكبر قدر من الفعالية لتحقيق إمكاناتهم.
- اشرح كل شيء
لا يمكن لطفلك أن يرى تلك “الصورة التي تساوي ألف كلمة”، لذلك يتعين عليك مساعدته على بناء جسر من الكلمات إلى تلك الصورة. كلما زادت محصلته من الكلمات والمفردات، كلما كانت قدرته أفضل على التعبير عن نفسه وفهمه للآخرين.تحدث معه حول ملابسه وجسده وكيف ينظر إلى الآخرين. صف له عالمه والفرص المتاحة أمامه والمخاطر، وكيف تبدو السحاب في السماء.يمكن للطفل المبصر أن يرى هذه الأشياء في لمحة واحدة: إن تحويل عالم طفلك إلى كلمات سيستغرق وقتا أطول، وقد تشعر بأن هذه الطريقة صعبة وغير ملائمة ومرهقة (يمر العديد من الآباء بهذا الشعور)، ولكنها سرعان ما ستتحول إلى عادة ثابتة لديك.
- أعطه مدونة لقواعد السلوك الاجتماعي.
ليس من الرائع والممتع التحدث مع طفل مهذب ومؤدب فحسب، ولكن ذلك يجعل من تفاعله وتواصله مع العالم أمرا سهلا وسلسا بالنسبة له. لا تريد أن يمضي طفلك وقتا أطول في صدم الناس ودفعهم بدلا من أن يقول كأي طفل عادي “لو سمحت”. يمكن للأخلاق والسلوكيات الحميدة أن تغفر أكثر الزلات الاجتماعية فظاعة.
- استغل كل فرصة تسنح لك.
اشرح له لماذا تلتقط له صورة، وكيف سيكون شعورك وأنت تنظر إلى صورته، والقيمة التي تكنها لصوره، وكيف أن ابتسامته أمر مناسب ومهم عند التقاطك لصورته، وكيف أن ابتسامته ستملأ قلبك بالسعادة وتشعرك بالرضى عندما تتذكر ذلك اليوم. بالطبع ستحتاج إلى استخدام لغة مخصصة ومصطلحات مفهومة عند شرحك كل هذا لطفلك ليتمكن من تكييفها وهو يكبر. هل يبدو لك الأمر مرهقا؟ بالطبع هو كذلك.
- تحدث عن سبب قيامك بهذا الأمر أو ذاك
لماذا نرتدي الملابس.
لماذا نشكر الناس.
لماذا موعد الغداء بعد ساعة وليس الآن.
لماذا هناك أبقار؟(أهلا بكم في عالمنا!)هذه الاسئلة تجعلك تشعر وكأن عقلك على وشك أن يتفكك وينهار، ولكن ذلك ما يتعين عليك فعله!
- فكر مليا في تربية حيوان أليف في المنزل.
هذا الأمر ليس للجميع، وأنا أنصح بشدة ألا يكون الحيوان الأليف الذي ستختاره لطفلك الكفيف أو ضعيف البصر سمكة ذهبية لأنها من غير المرجح أن تبقى حية بعد أول معاينة من طفلك لها، ولكن مع هذا الشرط، فإن مسؤوليات وطرق التواصل المصاحبة لتربية حيوان أليف (قوي) لا يمكن تقديرها بثمن بالنسبة لكفيف صغير السن.
- استخدم لمسة مشتركة.
استخدم يديك لاكتشاف الأشياء مع طفلك بينما تتحدثان عن ما يمكنك أن تراه وما يمكنكما معا أن تشعرا به وتسمعاه وتشتماه. دعه يوجه يديك للأشياء، وأن يقودك للاكتشاف وايجاد المفاجآت.
- دعه يشعر بابتسامتك.
دعه يشعر ويحس بالحركات الصغيرة والكبيرة التي يصدرها جسمك عند الضحك ويتحسسها، حاول أن تضخم من تعابيرك وردود افعالك حول خيبات الأمل الصغيرة والإخفاقات التي تواجهانها معا، بحيث تتجمع لديه معلومات عن هذه الأشياء يمكنه استخدامها لبقية حياته.لا يمكن لرجل في الثلاثين من عمره تحسس وجوه الغرباء للحصول على معلومات، ولكن ذلك ممكن لطفل في الثالثة من عمره، كما أن هذا الطفل سيستخدم المعلومات التي أعطيتها له حتى يبلغ الثمانين من عمره!
- امنح لصوتك شخصية ذات ملامح.
أكّد وعزز نبرات وجوانب وأبعاد صوتك التي تمنح طفلك بصيرة لمعرفة عواطفك. لا يستطيع طفلك أن يرى ابتسامتك، إذاً فليسمعها!
- تحدث وناقش وجهات نظر الآخرين ومنظورهم للأشياء.
اسمح له أن يستعير وجهات نظرك: تقرفص معه، وازحف معه، وتسلق معه، وعلمه الكلمات المستخدمة لوصف هذه الأفعال حتى عندما تكون أفعالا ومسميات وصفية وبصرية بحتة. علمه كيف يموضع جسده كالقطة، أو كيف يمكن لذراعيه الصغيرتين أن يقلدا حركة جناحي الطير. كيف يمكن له أن يعرف لعبة الغميضة إذا لم يدرك بنفسه مفهوم أن يخبأ جسمه عن أعين الآخرين؟ هو يحتاج لمساعدتك أنت في هذه الأمور الصغيرة.
- يحتاج طفلك للشقاوة.
وهذا ما يفعله الأطفال، لذلك لا تكن مشاهدا دائم الصمت في حياته- كل طفل يحتاج الفرصة ليسيء السلوك ويتعلم من خطأه. الظهور المفاجئ للوالدين وكأنهما ملائكة الجزاء والعقاب أمامه فقط لأنه لا يستطيع أن يرى، ليست الطريقة المثلى لغرس الثقة لديه لاتخاذ القرارات، سواء كانت قرارات صحيحة أم خاطئة. امنحه المساحة الكافية وأحيانا الخصوصية ليرتكب الاخطاء ويتعلم منها.
- علمه كيف يتعامل مع الاخفاقات.
علم طفلك طريقة ليتعامل بها بكرامة وشجاعة مع تلك الإهانات التي ستوجه إليه في المستقبل. أعتقد بأن هذا هو الجزء الأصعب جدا في عملية التربية. ستمر أوقات يتحدث فيها طفلك إلى غرفة خالية أو يعتقد أنه ما زال يلعب مع الأطفال الذي غادروا وتركوه لوحده دون أن يعلم ذلك.يجب أن تنحي ضيقك جانبا في هذه الحالات حتى يتسنى لك أن تشرح ماذا حدث، ولماذا حدث، وكيف أن ذلك لم يكن خطأه هو. يحتاج طفلك لقوتك وتفهمك في مثل هذه الحالات حتى يتمكن من الاستمرار، وحتى يستمر في الاستمتاع بصحبة الآخرين، وأن يطور احساسا داخليا بأهميته ومكانته بغض النظر عن أي شيء آخر حوله.
- لا تنس النقد البناء.
يتردد الناس في انتقاد سلوكيات الطفل الكفيف، فهذا عملك أنت! لا تتجاهل السلوكيات غير اللائقة- تعامل مع سلوكياته الخاطئة وساعده على تغييرها أو تعديلها. ستساعده على مساعدة نفسه وهذا هو سبب وجودك في الأصل!
وبشكل أساسي وجوهري، فإن ما تتمناه لطفلك هو ما يتمناه الجميع لأطفالهم، فأنت ترغب في مساعدة طفلك على أن يصبح شخصا خلوقا وواثقا من نفسه ويعكس الصفات الحميدة كضبط النفس والإيثار والكرامة، وأن يكون شخصا سعيدا وراضيا بنفسه.
إنها مهمة كبيرة!
لا تسمح لنا بتأخيرك وإعاقتك!