في، وعلى، وتحت
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
يمكن أن تشكل حروف الجر الأساسية مثل “في، وعلى، وتحت، وخلف، الخ…” صعوبة في الفهم لدى الأطفال المكفوفين. من جهة فهناك أبعاد بصرية محددة لهذه الأفكار، مثلا من السهل لطفل مبصر مشاهدتك وأنت تمسك بلعبته المفضلة وتخفيها خلف ظهرك ثم تظهرها له ليلعب بها. يتعلم الطفل المبصر بسرعة أن اللعبة كانت “خلف” ظهرك وأنه حتى لو اختفت اللعبة عن ناظره للحظات فذلك لا يعني أنها غير موجودة للأبد.
إن محاولة اتباع نفس هذا النشاط مع طفل كفيف قد يكون أمرا صعبا. قد يكون اخفاء لعبة تصدر صوتا خلف ظهرك مصدرا لخلق احساس بالمسافة ولكن لا تساعد تماما على تطوير نفس المفهوم لشيء أخفيته خلف ظهرك أو حتى فكرة ديمومة الأشياء (أي أن الشيء سيظل موجودا حتى لو لم نتمكن من لمسه أو رؤيته).
ماذا بإمكانك فعله لتشجيع طفلك الكفيف على تعلم المفاهيم المكانية؟ بداية، ابدأ بتعليم طفلك عن أجزاء جسده. من المفيد جدا تكوين حصيلة لغوية عن أجزاء الجسم عند حديثك مع طفلك عن أماكن وجود الأشياء من حوله. فبدلا من إخفاء اللعبة خلف ظهرك، فيمكنك إخفاء اللعبة خلف ظهر طفلك.
من الأسهل بكثير لطفل كفيف أن يتعلم ان شيئا ما خلف ظهره هو. احرص دائما على تسمية أجزاء جسم طفلك ودائما تحدّث عن الأشياء من حيث علاقتها بجسم طفلك: المكعبات أمامك، الحلقة عند ركبتك اليسرى، ضع الكوب على رأسك! إن البدء مبكرا وسريعا بالحديث عن الأشياء من حيث علاقتها بجسم طفلك سيصبح أمرا معتادا وجزء من عاداته اليومية.
إليكم بعض ألعابنا المفضلة التي نلعبها مع إيفان والتي ساعدته على تعلم حروف الجر…
تعليم طفلك عن: في
إن اللعب بسلال أو أوعية مليئة بالألعاب طريقة رائعة لتعليم طفلك مفهوم “في”. ولكن العديد من الأطفال المكفوفين حساسون تجاه وضع أيديهم على الأشياء لأنهم لا يستطيعون رؤية ما قد تقع أيديهم عليه. لمساعدة طفلك على تجنب اكتساب هذه الحساسية، ابدأ باللعب بأوعية أو صناديق كبيرة. إن الأوعية المصنوعة من الحديد الذي لا يصدأ (الستانلس ستيل) رائعة لهذا الغرض لأن الألعاب بداخلها تصدر الكثير من الضوضاء وهي تتحرك. وأيضا، إذا كان طفلك يمتلك أي بقايا بصرية، فإن الأوعية تعكس الضوء في الغرفة أو يمكنك تسليط ضوء المصباح اليدوي على الوعاء لتشجيع طفلك على الوصول إليه.
وبمجرد أن يتمكن طفلك من اللعب بالأوعية الكبيرة، انتقل إلى استخدام أوعية أصغر، كسلة الألعاب أو حتى جرة كبيرة. إذا استمر طفلك برفض إدخال يده، حاول اغراءه بوضع طعامه المفضل هناك. املأ الجرة حتى حافتها برقائق الذرة مثلا، ثم ببطء، وعبر مدة تصل لأيام أو حتى اسابيع، املأ الجرة بكمية أقل ثم أقل من رقائق الذرة بحيث يضطر طفلك لمد يده مسافة أكثر ثم أكثر داخل الجرة حتى يحصل على ما يشتهيه من الطعام.
الطريقة الرائعة الأخرى لتعليم طفلك مفهوم “في” هي أثناء فترة تناول الطعام. اعثر على وعاء مسطح وشجع طفلك على مد يده للطعام وتحسسه في الوعاء. يمكن لهذا أن يساعده أيضا على التخلص من أي تكتيك دفاعي قد يكتسبه طفلك لاحقا. عادة ما يرفض الأطفال المكفوفون لمس المواد الدبقة واللزجة واللينة والمدببة أو غيرها من المواد. شجع طفلك على مد يده واقحامها في كل شيء منذ سن مبكرة جدا!
تعليم طفلك عن: على
يحب الأطفال الامساك بالأشياء في يدهم، بدءا من الألعاب وحتى البطانيات والشراشف. شجع طفلك على اللعب وتذكر أن تخبره أنه قد وضع شيئا “على” رأسه. هذه طريقة رائعة للبدء بتعليمه مفهوم “على”.
وبمجرد أن يتقن طفلك مهارة وضع الأشياء على رأسه، جرب أن تطلب منه وضع شيء على آخر أكبر منه. بدأ ايفان أولا بضرب الأشياء ببعضها، والآن هو يفهم أنه يستطيع وضع شيء ما على شيء آخر.
تعليم طفلك عن: تحت
عادة ما يكون من الصعب تعليم طفلك أن شيئا ما قد يكون تحت شيء آخر لأن هذا يتضمن فهم أنه يمكن إخفاء شيء ما خلف شيء آخر. من الواضح جدا إن إخفاء الأشياء لعبة بصرية للغاية. إن وضع قطعة قماش على لعبته المفضلة غالبا ما ينتج عنه نسيان الطفل للعبة ولعبه بقطعة القماش بدلا من اللعبة التي أخفيتها بالقماش.
أحد الطرق لتعليم طفلك أن اللعبة تحت القماش هي اللعب بلعبة تصدر صوتا وقطعة قماش أو بطانية ثقيلة. صحيح قد يأتي الصوت مكبوتا من تحت الغطاء الثقيل إلا انه سيظل مسموعا بالنسبة لطفلك. جرب أن تشجع طفلك على إيجاد اللعبة التي تصدر الصوت.
هناك طريقة أخرى وهي وضع اللعبة تحت قميص طفلك، وهكذا يمكنك أن تطور لديه المفهوم بأقرب ما يمكن من جسم طفلك.
اقترح المعالج الوظيفي علينا أن نترك ايفان يلعب ببعض ألعابه مقلوبة على رأسها بحيث يضطر إلى تلمس أسفل اللعبة بدلا من أعلاها كالمعتاد. ثم نستطيع بعد ذلك أن نشرح له ان يده “تحت” اللعبة بالإضافة إلى أنه يتعين عليه أن يدير يده حتى يتمكن من تحسس اللعبة.
كما أحضر لنا المعالج الوظيفي حوضا مليئا بحصى بحرية، وأرانا كيفية دفن الأشياء بين الحصى ليتسنى لنا تعليم إيفان أنه يمكن إخفاء الأشياء تحت شيء آخر. ذات يوم بدأ إيفان بوضع الحصى في فمه، ولذلك استبدلنا الحصى بحوض مليء بحبوب الأرز من نوع Krispies. والآن ما زال بإمكانه دفن يديه وألعابه في الحبوب، ولن نقلق عليه إن حاول تناولها. وعلى أية حال فإن حبوب الأرز ليست بثقل وزن الحصى، أي أنها خفيفة على يديه، وهكذا حالما يتوقف عن محاولة تناول كل ما تقع عليه يداه، سنعود للعب بالحصى.
التعلم عن ديمومة الأشياء
هناك مفهوم آخر يصعب تعليمه لطفل كفيف وهو ديمومة الأشياء، أي فهم ان الشيء ما زال موجودا حتى لو تتمكن من رؤيته أو سماع صوته أو لمسه أو اشتمام رائحته. تقترح العديد من الكتب ربط الألعاب بخيوط بحيث يتمكن طفلك من سحب الألعاب ناحيته وإدراك أن اللعبة موجودة ولكن بعيدة عن جسمه، ولكن الخيوط تشابكت على طفلي ووجدنا أنفسنا نحاول تعليمه كيفية سحب وجر الخيوط (وهي مهارة جيدة بالطبع) بدلا من التركيز على الشيء نفسه.
وجدنا طريقة أفضل لتعليم ديمومة الأشياء وهي الثبات على وضع ألعاب إيفان دائما في المكان نفسه. وهو تعلم سريعا أن مفاتيح ألعابه دائما على الجهة اليمنى من يد المقعد وسيبحث عنها هناك. وهذا أوصله مباشرة إلى مفهوم أن المفاتيح ستظل دوما هناك حتى لو لم يكن هو نفسه موجودا هناك. إن بناء منطقة ألعاب حسية طريقة رائعة لخلق بيئة تتواجد فيها الأشياء دائما في نفس المكان.
أهم شيء هو أن تتذكر وأنت تعلم طفلك المفاهيم المكانية هو ألا تغضب وتشعر بالإحباط! أعلم أن الأمر يبدو مستحيلا أحيانا، ولكنه سيتعلم في نهاية المطاف. وكما هو الحال مع أي طفل، حالما يستوعب المفهوم، فإنه سيفهمه سريعا! في يوم ما لن يقبل ابنك أن يمد يده إلى الصندوق، أما في اليوم الذي يليه فهذا هو كل ما يريد فعله. والمفاهيم تبنى على بعضها، بحيث عندما يتعلم مفهوما ما، سيساعده ذلك المفهوم على تعلم مفهوم آخر وهكذا. لذلك اتمنى لك حظا طيبا وتابع العمل حتى تصل لغايتك!