الفرق الذي يحدثه الأجداد والجدات
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
كارول (نانا) كروزيه
أريد أن اتمنى لكل الأجداد والجدات شهر أجداد رائع!
أتمنى أن تساعدكم قصتي على تصديق أنه حتى عندما تصدمك الحياة بمصائبها وتغير مسار حياتك تغييرا تاما، فأنت ما تزال جزءا مهما وجميلا من حياة أحفادك. فأنت بالفعل تحدث فرقا عظيما في حياتهم!
بالنسبة لي ولزوجي، فإن كل حفيد من أحفادنا جميل جدا وجزء مهم من حياتنا، ولذلك فإنه من الطبيعي أننا كنا ننتظر مولد حفيدنا الأول بكل حماسة.
ولكن مر الحمل بتعقيدات صحية، وولدت حفيدتنا رايلي قبل أوانها بشهرين ونصف، وكان وزنها بالكاد يصل إلى كيلو جرام واحد!!
لم نتخيل أبدا أن الأمور لن تسير كما ينبغي لها، ولكن ذلك ما حدث. لم يكن من السهل مشاهدة مولودة ولدت بهذا الحجم الصغير، ومشاهدتها وهي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. لن أنسى أبدا الخوف العظيم الذي شعرنا به، والألم الذي اعتصر قلوبنا على أطفالنا.
تعين على والديها زيارة المستشفى كل يوم، والنظر إلى هذه الوليدة الصغيرة جدا في الحاضنة. وكذلك زارها جداها الآخران. كان الدعم الذي تلقته من كلا العائلتين كبير ولا يصدق.
نسكن أنا وزوجي ما يبعد عن المستشفى بنحو ساعة. يعود زوجي إلى المنزل مسرعا (يبعد عمله نحو ساعة عن البيت) ثم يقود سيارته إلى المستشفى فقط ليحدّث الرضيعة ويراقبها، ويطلب من الممرضات السماح له بزيارتها في ساعة متأخرة من الليل. وأنا أزورها بعد العمل مباشرة فقط لأمسك أصابعها الصغيرة وأغني لها واتحدث معها وأدعو الله لها.
هل أحدث ذلك فرقا؟ اخترنا أن نصدق أنه قد أحدث فرقا بالفعل.
ثم جئنا بها أخيرا إلى المنزل. لم يتحدث إلينا الأطباء كثيرا عن فرصها المستقبلية، لذلك اكتفينا بمشاهدتها تكبر وتنمو سريعا لتصبح فتاة جميلة. ولكن لم يمر وقت طويل حتى لاحظنا أنها لم تكن تقوم بأي نوع من أنواع الاتصال البصري. علمنا بعد ذلك أنها كفيفة، واخيرا تم تشخيص إصابتها بالتوحد.
ولدت رايلي مصابة باعتلال العصب البصري التغذوي، وهو ضعف في نمو العصب البصري. كما أنها مصابة بفتق الحجاب الحاجز عند الولادة. وكما فهمت فهذا أمر شائع عند الأطفال الخدج.
لا يمكن للكلمات أبدا أن تصف شعورنا. كان وضعا صعبا، ولو حاولت أن أصفه بالكلمات لقلت أننا شعرنا بالوحدة والعجز وقلة الحيلة. لم نستطع أن نصدق ما كان يحدث، وشعرنا بالألم الكبير. كما شعرنا أحيانا بالغضب … ولكن شعرنا دائما، دائما بالحب.
ثم كان السؤال الكبير: “ماذا سنفعل الآن؟”
خلال تلك الفترة، كان ابننا في الجيش حيث تم ارساله إلى العراق لمدة سنة. وكنا نأتي برايلي إلى منزلنا كل عطلة نهاية اسبوع طوال تلك السنة. أشعر بالامتنان لتلك الفرصة التي سمحت لي بالتقرب من رايلي. كنا نؤلف أغاني سخيفة، ونغني، ونرقص، ونقرأ، وكنا حتى نكتب أغاني لوالدها. وعندما عاد والدها، بدا وكأنه لم يغادرنا قط, يا للروعة!
الحب والدعم هما على الأغلب أثمن هدايا يمكنك أن تمنحها لأولادك. كانا يتألمان أكثر منا، وكنا نألم لألمهما، ولم نكن نعرف كيف يمكننا تقديم المساعدة.
اشتركنا في مجموعات الدعم، وتعلمنا لغة برايل، وتثقفنا كثيرا عن العمى والتوحد. وضعنا ملصقات برايل لكل شيء في منزلنا، كما أن كلا العائلتين تحرصان على حضور اجتماعات برنامج التعليم المنفرد للطفل الخاصة برايلي.
عندما نتحدث إلى رايلي، نشرح لها كل شيء بالتفصيل. حتى أنها تعلمت أسماء الألوان. تحب أن تتحسس العشب الأخضر، والشمس الصفراء الحارة، وأحمر الشفاه الخاصة بالجدة. ويا للعجب، كم هي ذكية للغاية! لديها ذاكرة بصرية، وهذا ما نستخدمه لصالحنا فحينما نذهب إلى المتجر، لا نأخذ قائمة بالمشتريات، نأخذ رايلي!
كانت مجموعات الدعم مفيدة للغاية بالنسبة لي. كانت لدي اسئلة كثيرة، ولم يكن لدي أحد لأسأله. عائلاتنا واصدقائنا رائعون بشكل لا يصدق، ولكن من المفيد أيضا معرفة أن ثمة آخرون يفهمون بحق ما نمر به. يعلمون أنك قد بكيت وغضبت. يعلمون أن النظام لا يعمل أحيانا كما يجب ولديهم الأفكار اللازمة لمساعدتك. كل ما احتجناه كانت جلسات علاجية عادية أرشدتنا إلى اتجاهات لم نكن حتى نعلم بوجودها. من الضروري جدا أن تعرف أنك لست لوحدك.
عندما تفتح عقلك، فإنك تفتح قلبك معه!
وهذه الطفلة الصغيرة الجميلة، حسنا … هي قدمت لنا هذا! لقد حصلنا على أضعاف ما أعطيناه، فهذه الانسانة المميزة الصغيرة حولتنا إلى أشخاص أفضل بكثير، فسعادتها تملأ قلوبنا بهجة وفرح بالمعنى الحقيقي.
نحن ننظر إلى العالم من منظور مختلف الآن. يرن حبها مع كل صوت في هذا العالم. لقد علمتنا كيف نقدر هديل الحمام، وقطرات المطر على السقف، وصوت نقار الخشب وهو ينقر الأشجار. اختلط عليها ذات مرة صوت قطرات المطر ونقرات نقار الخشب، وقالت: “استمعوا إلى نقار المطر.” وهذا كل ما نرجوه نحن. تحب ملمس الزهور، ورذاذ المطر، ورائحة خبز الكعك. تحب التقافز والدوران حول نفسها في الممرات، ونحن أيضا صرنا نحب ذلك. وكلماتنا حين نغني هي: “ارقصي مع البابا!” حسنا … ذلك ما لا يقدر بثمن!
ولذا فإنني اتمنى أن تدركوا جميعكم مدى أهميتكم العظيمة. الأمر ليس سهلا. كل شخص منا لديه قصته الخاصة والهامة جدا! ولكن كذلك الحال مع هذا الطفل الصغير.
ما اتمناه هو أن تحظوا جميعكم بشهر أجداد مبارك، وأن تدركوا كم أنتم هدية ثمينة لهؤلاء الأطفال المميزين. أنا مؤمنة أنه عندما ولدت رايلي، قال ربنا: “لمن سأهب هذه الملاك الصغيرة ليحبها ويرعاها من صميم قلبه؟” وقد اختار عائلتين مختلفتين ليحباها حبا غير مشروط وبلا حدود.
وهذا ينطبق عليكم أيضا. من بين كل الناس في هذا العالم، تم اختيارك أنت. اختارك الله أنت!!!!