الانتقال إلى مرحلة الحضانة
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
كتبته ميجان أي
إن إرسال الطفل إلى الحضانة نقلة نوعية ضخمة لأية عائلة، ويمكن أن يكون أكثر مشقة عليك إذا كان طفلك كفيفا. إن الأمور التشجيعية المعتادة في مرحلة الحضانة- الألوان، والفصول الدراسية اللطيفة، والمعلمة بابتسامتها الترحيبية، والحماس الطاغي لتواجده مع غيره من الأطفال- كلها أمور قد لا تتوافر أحيانا لدى الطفل الكفيف.
لم تكن ابنتنا استثناء .. ولدت ابنتنا آفا في فبراير 2005 وهي مصابة بانعدام المقلتين ” BilateralAnophthalmia “، والتحقت بالحضانة في العام 2008 في مدرسة بنسلفانيا الغربية للأطفال المكفوفين.
عندما ولدت افا، أدركنا كم أننا محظوظون لوجود مدرسة للأطفال المكفوفين على مقربة 15 دقيقة من منزلنا. خلال السنتين الأوليين من التدخل المبكر، اجتازت آفا المستويات الأساسية للحركة والتنقل والحديث في ظل أمن وسلامة المنزل المهيأ لها. وعندما حان الوقت لاتخاذ قرار بإلحاقها بالحضانة، علمنا أن مدرسة الأطفال المكفوفين ستكون البيئة الأنسب لها، ولكننا كنا نتساءل ما إذا كان بإمكان المدرسة توفير الاحتياجات الخاصة لآفا.
عندما زرنا المدرسة، تساءلنا كيف ستتأقلم آفا وكيف سيتمكنون من توفير احتياجاتها. لقد رغبنا في أن تواصل آفا تعليمها الأكاديمي، وفي نفس الوقت تتعلم طريقة برايل، ومهارات الحركة والتنقل، والمهارات الاجتماعية التي من شأنها جميعها أن تعدها وتجهزها لخوض تجربة الدراسة في الروضة بشكل اعتيادي.
التحقت آفا بالحضانة بعد ستة أيام فقط من بلوغها عامها الثالث. حضرنا اجتماع برنامج التعليم المنفرد للطفل IEP في المدرسة قبل ذلك الوقت بثلاثة أسابيع، لذلك كنا على علم تام بالأهداف التي يتعين عليها تحقيقها. كان اليوم الأول مثيرا ومخيفا لنا جميعا، طلبوا مني أنا وزوجي أن نقضي اليوم بأكمله في المدرسة مع آفا. لقد تحدثنا مع آفا مطولا بشأن الحضانة، في محاولة منا لإعدادها لما سيحدث لاحقا، ولكن ليس من السهل شرح مفهوم “مدرسة” لطفل كفيف كليا.
عندما وصلنا، شعرت آفا على الفور بالانزعاج من أصوات الأطفال الخمسة الآخرين في فصلها الدراسي الجديد، وكان ذلك أمرا متوقعا. لقد أعدت المعلمة الفصل جيدا، نبهت المعلمة الأطفال إلى أن آفا طالبة جديدة في الفصل، وأنها ستكون ممتنة لهم إذا وافقوا على أن يتحدثوا ويغنوا بهدوء حتى تتأقلم آفا مع الفصل وتشعر بارتياح أكبر.
أمضينا الصباح ونحن نحتضن آفا، وجلسنا أغلب الوقت في طرف الغرفة مراقبين بقية الأطفال وهم يمارسون روتينهم اليومي كالجلوس في دائرة، وتناول وجباتهم الخفيفة، والتنقل بين الأنشطة الأخرى. استمتعت آفا بالموسيقى والغناء، لذلك اعتقدنا أننا لو سجلنا أغاني مختلفة في أوقات مختلفة من اليوم في مسجلتها الرقمية، فبإمكانها الاستماع إليها في المنزل وتعلمها أسرع.
اكتشفنا أن معظم المشاعر الأولية للإحباط الذي أصاب آفا كان مصدره جهلها بما سيحدث تالياً. فهي نموذج مثالي للطفل البكر! ترغب في أن تكون مسيطرة على ما يحيط بها، وترغب في أن تعرف كلمات كل أغنية، وتعليمات كل نشاط، وخطوات كل عملية. كما أن هذا ينبع على الأرجح من حقيقة كونها كفيفة البصر. عالمها لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، وهي تفضل كثيرا البقاء في منطقة الشعور بالأمان “دائرة الراحة”.
والمثير للعجب، أنه مع انتهاء استراحة الغداء، كانت آفا تقترب أكثر فأكثر من بقية الأطفال، حتى أن معلمتها اقترحت علينا أن نذهب للمبنى المقابل لتناول غدائنا وترك آفا في الفصل لتستمع لحكاية. كنت متأكدة أنها ستبكي طوال فترة غيابنا، ولكن عندما عدنا واسترقنا النظر إليها عن بعد، وجدناها جالسة هناك مع الأطفال في جلسة ما بعد الظهر، هادئة كفأر صغير. بدت مرتاحة وواثقة من نفسها! كانت تلك المرة الوحيدة التي دمعت عيناي فيها ذلك اليوم- لقد كنت فخورة بها للغاية!
يمكنني القول بصراحة أنه خلال الشهر الأول من الحضانة، مرت أيام جيدة أكثر من الأيام الصعبة. في الأسبوعين الأوليين تمكنت من تمضية كل صباح في المدرسة، وتعرفت خلالهما على الروتين اليومي، وعلى بقية الأطفال وعلى معلمة آفا، ومساعديها والمعالجين، وبقيت هناك من أجل تهدئة آفا.
في البداية، حضرت آفا ثلاثة أيام اسبوعيا في الحضانة، وكان ذلك قراري الذي اتخذته قبل التحاقها بالحضانة وتمسكت به لفترة طويلة. بالنسبة لطفلة عمرها ثلاث سنوات، والتي قضت كل أيامها في المنزل قبل ذلك، فإن 40 ساعة اسبوعيا في الحضانة بدت كثيرة جدا عليها. لذلك قررت أن تمضي آفا أيام الاثنين والجمع معي ومع أختها الصغيرة لوسي ذات الثلاث أشهر في اللعب والاستمتاع معا.
الموضوع الذي تساهلت فيه كان السماح لآفا بركوب الباص للذهاب للمدرسة، وهي خدمة تقدمها مدرستها. كنت مصممة على أخذها من وإلى المدرسة بنفسي كل يوم، ولكن مع مولودتي الجديدة، وعملي من المنزل، كان الأمر مرهقا للغاية بالنسبة لي. كنت خائفة جدا من إرسالها بالباص، ولكن كما اتضح لي لاحقاـ فقد أحبت آفا الباص. أحد الدروس التي تعلمتها عن آفا خلال هذه الفترة الانتقالية كان هو أنه على الرغم من عدم مقدرتها على رؤية عالمها، إلا أنها ستتكيف معه وتنمو فيه- ونعم، قصدت ذلك العالم خارج أسوار منزلنا الصغير الآمن!
وبالنظر إلى الشهر الأول الانتقالي من المنزل إلى الحضانة، تجدون أدناه بعض الأمور الرئيسية التي يتعين على كل الآباء الذين بصدد اتخاذ هذا القرار التأمل والتفكير فيهم:
تحديد الفصل الدراسي المناسب لطفلك
على المدى البعيد، هذا يعني اختيار الحضانة المناسبة لطفلك، خصوصا إذا كنت لا تسكن بالقرب من مدرسة للأطفال المكفوفين. ما نوع البيئة التي سينمو فيها طفلك ويشعر فيها بالراحة؟ إذا كان طفلك يرتاد حضانة “نظامية عادية”، كيف ستسعى المدرسة لاستيعاب احتياجات طفلك وتحقيق أهدافه؟
أما على المدى القريب، فإن الفصل الدراسي الذي سيلتحق به طفلك يجب أن يكون محط اهتمام كبير منك. مثلا، في مدرسة بنسلفانيا الغربية للأطفال المكفوفين، كان هناك سبعة فصول دراسية مخصصة للحضانة، وكل فصل منها مختلف تماما عن الآخر.
عندما زرنا أنا وزوجي المدرسة للمرة الأولى، كان مصدر قلقنا الأكبر أنه سيتم وضع آفا في فصل مع أطفال لا يمكنهم التواصل بالنطق والحديث، أو حيث تركز المعلمة على تدريس مهارات الحياة وليس العلوم الأكاديمية. استمع مدير المدرسة إلى مخاوفنا، ووضع آفا في فصل به ثلاثة أطفال قادرين على المشي والحركة والنطق، وطفلين يعانيان من صعوبات كبيرة في النطق ويستخدمان كراسي متحركة. كان ذلك مزيجا رائعا لآفا، حيث تعرفت على أطفال ناطقين بأصواتهم، وأطفال ينطقون عبر أجهزة الكترونية يستخدمونها للتواصل مع الآخرين.
تم وضع آفا في أكثر الترتيبات اعتيادية في الحضانة- بدؤوا يومهم كل صباح بجلسة الصباح الدائرية، ودرسوا الحروف الأبجدية والصوتيات، ونفذوا بعض المشاريع الفنية الحسية الملموسة، وغنوا وقرؤوا القصص، وتدربوا على ممارسة المهارات الصحية. كما أن آفا تلقت كل جلساتها العلاجية خلال اليوم الدراسي، داخل وخارج فصلها الدراسي، إذا كان طفلك يعاني من إعاقات متعددة، قد يكون من الجيد له الدراسة في بيئة مختلطة مع أطفال تتنوع إعاقاتهم أعلى وأدنى مقياس الإعاقات اللفظية والجسدية. لقد لاحظت أن الأطفال في صف آفا الذين بإمكانهم الكلام عادة ما يشجعون ويحثون الأطفال من ذوي صعوبات النطق والتخاطب على استخدام اجهزتهم للتواصل أكثر مع البقية.
المهمة: الاستقلال والاعتماد على الذات
بعد أن قضيت ما يقرب من ثلاثة أيام مع آفا في الحضانة، اتسلل إلى فصلها متى اقتضت الحاجة، جلست مع معلمة آفا وقلت لها: “اعتقد أن آفا بحاجة إلى مساعدة خاصة بها”. كنت أتساءل كيف ستتجول في المكان بمفردها، وتشارك في الأنشطة بدون وجود شخص إلى جانبها ليساعدها طوال الوقت. كنت قلقة لأن آفا كانت الطفلة الوحيدة الكفيفة كليا في فصلها الدراسي. كان لدى الأطفال الثلاثة الآخرين القادرين على الحركة ما يكفي من القدرة البصرية على الحركة بمفردهم، كما بدا أن المساعدان الاثنان في الفصل مشغولين جدا بالطفلين المقعدين الذين يستخدمان كراسي متحركة، لأنهما كان يحتاجان الكثير من المساعدة الجسدية.
تفهمت معلمة آفا مخاوفي، ولكنها عرضت علي سريعا رأيها: أبدت استعدادها أن تكرس الكثير من طاقتها في البداية لآفا خلال اليوم الدراسي حتى تتكيف آفا مع بيئتها المحيطة بها، ولكن هدفنا الأسمى لآفا هو أن تتمكن من الاستقلال بنفسها وتعتمد على ذاتها تماما، لذلك فإن وجود مساعد خاص لها لن يساعدها قطعيا على الوصول لذلك الهدف. لقد أرادت معلمتها أن تتحرك آفا بمفردها، خصوصا وأنها كانت على وشك البدء بتعلم استخدام العصا البيضاء. عندما أتذكر طلبي الأول بضرورة توفير مساعد خاص لها، أشعر بالسرور لأن معلمتها رفضت ذلك وشرحت لي الأمر. فبعد مرور أربعة أسابيع فقط، كان واضحا أن آفا لم تحتج إلى مساعد خاص بها- كانت تزداد ارتياحا يوما بعد يوم في التجول والحركة بحرية، وغالبا ما استخدمت عربة تسوق صغيرة للتوجه إلى فصلها أو الخروج منه، لمساعدتها على الشعور بارتياح أكبر عندما تتحرك.
التواصل والمعرفة = القوة
دأبت معلمة آفا كل يوم على إرسال ملف معها إلى المنزل يحتوي على بعض التفاصيل الرئيسية عن ما قامت به آفا خلال اليوم. وفي صباح اليوم التالي، كنت أكتب لها بدوري عن بعض الأشياء التي قامت بها آفا في المساء والصباح الذي يليه في المساحة المخصصة لملاحظات الآباء، وعن أية مخاوف أو توجيهات مني لتنفيذها في ذلك اليوم. وكنت عادة ما اتحدث مع معلمة آفا عبر الهاتف أو عبر البريد الإلكتروني، وأنا بالفعل أشعر بأن كل الأسئلة والمخاوف التي انتابتني تم التعامل معها ومعالجتها على الفور.
إن التواصل أمر مهم عند اتخاذ قرار بالانتقال إلى مرحلة الحضانة، فهو يهدئ الأعصاب المتوترة للوالدين ويساعد المعلمين وطاقم التدريس على معرفة طفلك بشكل أفضل. ولأن أطفالنا الذين يعانون من مرض صغر المقلة أو انعدام المقلتين سيتعلمون ضمن برنامج التعليم المنفرد للطفل IEP طوال فترة حياتهم التعليمية في المدرسة، فإن أفضل وقت لممارسة مهارات التواصل هي فترة الحضانة، وهذه المهارات ستساعدك على تحقيق الأفضل لطفلك.
في الاجتماع الأول لبرنامج التعليم المنفرد للطفل IEP الخاص بآفا، تمت صياغة وكتابة خطتها التعليمية وأهدافها بناء على تقييم DART الذي خضعت له آفا. (تقييم DART هو اختصار لإختبار اكتشاف الحالة وتقييمها وإحالتها وتتبعها، وهو مصدر متوفر محليا للأطفال المؤهلين له ممن تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات، الذين يعانون من تأخر أو إعاقات في النمو.)
وبما أننا شاركنا بشكل كبير في تقييم آفا الأول، وأسسنا علاقة طيبة مع معالجيها في برنامج التدخل المبكر، كنا على استعداد تام للأهداف التي تعين عليها تحقيقها في مرحلة الحضانة. وعلى أية حال، إذا ما رغبنا في إعادة النظر في تلك الأهداف، فإنه يحق لأي أبوين طلب مراجعة برنامج التعليم المنفرد للطفل IEP لطفلهم في أي وقت خلال السنة المدرسية.