تجاوز المحن: مقالة ديفيد لطلب المنحة المدرسية
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
ديفيد انفيلد
ملاحظة من الناشر: كتب ديفيد هذه المقالة عن الوقت الذي قضاه مع زميله باتريك في لعب كرة القدم. وهذه المقالة جزء من طلبه للحصول على منحة جيمي رينولدز، والتي فاز بها بالفعل! وديفيد الآن طالب سنة أولى بجامعة ميسوري.
لطالما أحببت لعبة كرة القدم منذ أن كنت طفلا صغيرا. وعندما كنت في الصف السادس، انضممت إلى دوري ويسترن سبرنجز وذلك حتى اتعلم اللعب. لعبت معهم لمدة ثلاث سنوات، وبداخلي حلم أنني سأتمكن من لعب الكرة يوما ما عندما التحق بالمدرسة الثانوية في ليونز تاونشيب. تحقق حلمي ولعبت لمدة 4 سنوات في مدرسة ليونز تاونشيب الثانوية.
كطالب مستجد، كنت محظوظا كفاية لأكون لاعب البداية في فريق الدفاع الأول الذي لا يهزم. وكطالب في السنة الثانية، لم نهزم أيضا طوال الموسم، والسنة التي تلتها فزت بجائزة أفضل لاعب في الموسم عن فريق الناشئين. وكنت اتطلع للسنة النهائية، وقد كرست وقتي كله في ذاك الصيف والشتاء الذي تلاه للتدريب للموسم القادم في مدرسة ليونز تاونشيب الثانوية.
وبعد أن قلت لكم ما قلته، يتعين علي القول الآن أنه ربما كان أعظم درس في حياتي هو ذلك الذي تعلمته في سنتي النهائية عندما كنت عضو في فريق الناشئين.
كان يوم الجمعة السابع عشر من سبتمبر من العام 2010- موعد المباراة الكبرى! مدرسة ليونز تاونشيب ضد هنسديل سنترال. كل من يعيش في هذه المنطقة يعرف تماما المشاعر التي تنتابنا عندما تقام هذه اللعبة. كنا قد أحرزنا 34 مقابل 10 للخصم، وانا رغبت بشدة في أن ادخل للملعب وأكون جزءا من اللعبة. كانت تلك اللعبة “الذروة” وكانت أكبر منافسة لنا، وكنت حينها طالبا في السنة النهائية. هذا ما عملت لأجله بجد طوال الأربعة سنوات الماضية، أليس كذلك؟ لألعب في مثل هذه الليلة، لأدخل الملعب حتى ولو في الخمس دقائق الأخيرة.
على أية حال، لم اتمكن من اللعب تلك الليلة وعدت إلى المنزل- سعيد بفوزنا، ولكن حزين بعض الشيء. ومع ذلك رافقت اللاعبين بعد انقضاء المباراة وبعضهم من أعز اصدقائي لتناول العشاء والاحتفال بالفوز. وعلى الرغم من شعور الخيبة المتعاظم داخلي، كنت سعيدا بفوزهم، فأنا ما زلت جزءا من الفريق وأردت فعلا مشاركتهم الفرح والاحتفال.
شعرت خلال تلك المباراة بما يصفه معظم الناس بقولهم: “الحياة ليست عادلة.” ولكن سرعان ما أدركت أن هذا كان درسا لي لتعلم تجاوز المحن والتغلب عليها. ولكن الأعجب من ذلك كان الدرس الأعظم الذي تلقيته يوم السبت الذي تلاه.
اليوم هو 18 سبتمبر، السبت الذي تلا ليلة المباراة. ذهبت مع أبي لمساعدته في تنظيم برنامج كرة القدم لكبار الشخصيات من ذوي الاحتياجات الخاصة. بدأ أبي هذا البرنامج في العام 2003 بالتعاون مع منظمة كرة القدم الأمريكية للشباب A.Y.S.O، وقد حرص والداي على مشاركتنا الدائمة أنا وأخي وأختاي في هذا البرنامج عبر مرافقتنا للأطفال الذين جاؤوا للعب كرة القدم. جاء أطفال على كراسي متحركة، وأطفال من ذوي التوحد، وأطفال من ذوي الإعاقات الجسدية والذهنية، الخ…
رافقت العديد من الأطفال على مر السنوات الماضية منذ بدأت الذهاب والمشاركة في هذه الألعاب مذ كان عمري 11 سنة. نلعب مباريات في موسمي الخريف والربيع في أماسي السبت. وأعتقد أنه خلال هذه الأيام بدأت برؤية الأمور من “منظورها” الصحيح. يعاني هؤلاء الأولاد وآبائهم من المحن والمصاعب 24 ساعة/ 7 أيام في الاسبوع. تدفعني ابتسامتهم وهم يركلون الكرة في الملعب وتسديدهم الأهداف حقا للتفكير في الهدف من الحياة. هذه المباراة مهمة لهم بقدر أهمية مباراة ليلة الجمعة بالنسبة لي.
استطيع فعلا تقدير معاناتهم التي يعايشونها ويعيشون معها ولا يمكنني ابدا الشعور بالأسى على معاناتي عندما اشاهدهم. هم سعداء بحقيقتهم وحقيقة قدراتهم وبما يمكنهم تحقيقه وانجازه. هم يقدّرون الاستراحة بين الأشواط لشرب الماء، ويقدّرون زي الفريق الملون، ويقدّرون الكأس التي يحصلون عليها في نهاية الموسم. أتذكر عندما أخبرتني إحدى الأمهات كيف أن ابنها ينام مرتديا زي اللعب ومحتضنا الكأس. كان فخورا جدا لكونه جزءا من الفريق لأنه كان يحضر مباريات أخوته طوال حياته، والآن أضحى بإمكانه أن يكون جزءا من فريق ما.
التقيت في هذا اليوم بالتحديد صديقي الجديد باتريك. ولد باتريك مصابا بمرض فقد البصر الوراثي LCA، وهو اضطراب نادر في شبكية العين ويتسبب بفقد البصر في سن مبكرة جدا. أبواه من ألطف الناس الذين قابلتهم في حياتي. شرحا لي القليل عن كيفية الامساك بيده والسير معه. أراني والدي الكرة ذات الصوت “كرة الهدف للمكفوفين” التي يسمع صوتها باتريك ويركلها ويتبعها في الملعب. باتريك من الأطفال الذين تقع في حبهم من أول وهلة. ابتسامته التي تطغى على وجهه عندما يستمع لصوت كرته شيء لن أنساه ابدا طوال حياتي. يستنير وجهه اللطيف عندما يبتسم وعندها يمتلئ قلبي فرحا وسعادة.
أخذت باتريك صوب المرمى ليتحسس الشباك والعارضة. بدأ بركل الكرة بعزم كبير، ركلها بكل ما أوتي من قوة، وكنت شديد الاعجاب بالقوة التي كان يبديها. لم تغادر الابتسامة وجهه والتقط المهارة فورا. كان لاعبا ممتازا “بالفطرة” ومع كل ركلة كرة، كان اداؤه يتحسن أكثر وأكثر. قوبل هدفه الأول بالكثير من التصفيق والهتافات المدوية، وبدا واضحا أن ذلك دفعه للاستمرار في اللعب. وهكذا لعبنا أنا وباتريك معا في كل مباراة وأصبحنا صديقين حميمين.
استمتعت بالتعرف عليه، وعلى أخته وعائلته. عائلة باتريك عائلة رائعة وأنا استمتع بزيارتهم كل يوم سبت. تصادف أن والداه من كبار المعجبين بكرة القدم، وقد قادنا الحديث ذات يوم لترتيب لقاء معهم قبل مباراة الإياب لفريق مدرسة ليونز تاونشيب الثانوية حتى يطّلع باتريك على المعدات التي استخدمها في اللعب. وقد تعين أن يزورني في يوم تقام فيه المباراة حتى يتسنى له تحسس الزي.
وفي يوم مباراة الإياب، أسرعت إلى غرفة تبديل الملابس لأرتدي ملابسي واستعد للمباراة. كنت متحمسا جدا للقاء باتريك وعائلته. كنت جالسا على مقعد اللاعبين في غرفة تبديل الملابس بانتظار أن يرن هاتفي معلنا وصولهم. بدأ هاتفي بالاهتزاز فأمسكت بخوذتي وانطلقت خارجا من غرفة تبديل الملابس، وهناك رأيت باتريك وعائلته.
رحبت بالجميع واحتضنت باتريك بحرارة ونحن نتحدث. التقط والداه الصور لنا وأنا أريه زي اللعب. اعجبه كثيرا ملمس خوذتي واستمر في تحسسها. ألبسته واقي الأكتاف والخوذة والتقطنا بعض الصور. مشاهدته مبتسما وهو يتحسس معداتي كانت من أجمل لحظات حياتي. شكرته على قدومه ومشيت عائدا إلى غرفة تبديل الملابس، وأدركت أني وباتريك كلينا نمر بالمصاعب والمحن في حياتنا المنفصلة، ولكن عندما نكون معا، تنشأ بيننا صلة تتلاشى معها كل مشاكلنا … على الأقل لفترة قصيرة … عندما نركض في الملعب ونتحدث ونستمتع بوقتنا معا.
أقول لنفسي بأنني حصلت على العديد من الفرص الجيدة للعب كرة القدم وأنا أقدر كثيرا مروري بتلك التجربة.
انشأت صداقات رائعة وكونت ذكريات طيبة. نعم، كنت اتمنى لو شهدت سنتي الأخيرة المزيد من فترات اللعب، ولكنني أدرك وأنا اتأمل سنتي الأخيرة، أن المحن والمصاعب التي واجهتها لا تعد شيئا مقارنة بما يواجهه باتريك كل يوم. لقد ألهمني باتريك … بأن الحياة ربما لا تكون عادلة دائما، ولكننا نواجه المصاعب والمحن في جميع مراحل حياتنا.كل ما يتعين عليك فعله هو مواجهتها ومحاولة الاستفادة من الوضع بقدر الإمكان. ليست نهاية العالم عندما لا تسير الأمور على هواك. تطّلع إلى الأمام وقدّر النعم التي تملكها ومنّ بها الله عليك. أشعر بأني محظوظ لتعرفي على باتريك وعائلته. لقد علموني أن الحياة هي ما تصنعه لنفسك، وأنه يتعين عليك تقدير الحياة والاستمتاع بها وترك التركيز على المحن والمصاعب.