امنحي نفسك الحنان: المرور بمراحل الحزن والأسى
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
كتبته ماري مكدوناش
إن الحزن والأسى ردة فعل طبيعية، فمن المرجح أن تمري أنت بمرحلة أو أكثر من مراحل الحزن والأسى. ماذا بإمكانك أن تفعلي؟ يمكنك القيام بأحد أمرين: إما أن تتحملي ما جرى وتأملي أن تنتهي آلامك مهما طال الأمر، أو بإمكانك اتباع بعض الخطوات العملية لمعالجة أفكارك وتأمل مشاعرك بطريقة أسرع قليلا حتى تسهل الأمور عليك … وعلى الجميع.
إن مجرد محاولة فهم ما يجري عن طريق البحث عن علامات لحزنك وأسآك، سيساعدك في رحلة الشفاء من آلامك خلال مراحل الحزن والأسى. لكل شخص تجربته الخاصة في الحزن والأسى، ولا توجد هناك طريقة صحيحة أو خاطئة للشعور، ومهما كان ما تشعرين به، فإنه بالتأكيد شعور صادق وصحيح.
دعينا نتأمل مراحل الحزن والأسى واحدة تلو الأخرى …
المرحلة الأولى: عدم التصديق
تقول إحدى الأمهات:
“عندما كنت في المستشفى بعد ولادة توني، أخبرني طبيب الأطفال أن طفلي كفيف، ولكنني لم أتقبل الفكرة. لقد اعتقدت حقا أن كل ما كان علي فعله هو أخذه إلى المنزل وحينها سيكون بخير.”
أنتِ تدركين تماما وتفهمين ما قد قيل لك، ولكنك أيضا تعتقدين أن أحدهم قد ارتكب “خطأ فادحا” (فقط في حالتك أنت) وأن كل ما يقال لك لا ينطبق عليك ولا على طفلك إطلاقا. وكثيرا ما تكون المفارقة هنا أنك أنتِ من طلب هذه الاستشارة، فقد شعرت على أحد مستويات الأمومة الأساسية أن هناك خطبا ما في قدرة طفلك على الإبصار!
هذه ليست مجرد مسألة تصديق الطبيب، ولكنها أيضا قدرتك على الشعور في أعماق أعماقك أن المعلومات التي قُدمت لك هي معلومات صحيحة. سيساعدك كثيرا أن تنظري إلى موقف الطبيب من هذا الأمر كله- هو نفسه لا يرغب في أن يخبرك بهذا التشخيص بنفس درجة عدم رغبتك في سماعه، ومن المؤكد أنه قد راجع تشخيصه ثلاث مرات قبل أن يضع نفسه في موقف يبدو فيه هو الطبيب مصدرا لكل آلامك وأحزانك.
لا يقدم العاملون في مجال الصحة والذين يتمتعون بمهنية عالية معلومات مؤلمة باستخفاف (على الرغم من أنه قد يبدو عليهم في كثير من الأحيان البرود أو عدم الاهتمام)، فهم يدركون تماما مراحل الحزن والأسى، والعواقب طويلة المدى لتربية طفل كفيف. ونعم، هناك حالات تقع فيها أخطاء طبية بالفعل، ولكن يجب أن تتأكدي من أن طبيبك قد قام بكل ما في وسعه لضمان صحة ودقة المعلومات التي ينقلها إليك.
سيعلم طبيبك أنك غالبا، ومباشرة بعد سماعك للتشخيص، لن تكوني قادرة على معالجة أية معلومات أخرى. أعلم من تجربتي الشخصية أنه بعد سماعي للجمل الأولى من طبيب الأطفال، كل ما تمكنت من سماعه هو صوت يضج في عقلي: “هي مصابة بماذا؟” مرارا وتكرارا. من الصعب استيعاب اكثر من الأساسيات المحضة خلال الاستشارة الأولى، وهذا ما يحدث تقريبا لجميع الناس. لذلك يكون اللقاء الأول مع الطبيب موجزا ومقتضبا، فذلك يمنحك فرصة للعودة لمنزلك والحديث مع أقرب الناس إليك، والعودة للطبيب وأنتِ في وضع متصالح مع المعلومات التي قدمت إليك، وأن تفكري بالأسئلة التي قد ترغبين في طرحها في الجلسة الاستشارية الأولى وأنتِ قد تعافيتي قليلا من الصدمة.
خلال هذه المرحلة، ستجدين أن استجاباتك العاطفية للأشياء التي قد تدفعك للبكاء أو الضحك، الخ، كلها قد تحجرت. قد تشعرين بالتقوقع بعيدا عن العالم الذي اعتدت عليه، وتفقدين قدرتك على التعبير عما تشعرين به. وقد يشكل ذلك ضغطا على علاقاتك بمن حولك، وإذا ما قررتي ألا تبوحي لأحد عن التشخيص الذي حصلت عليه، فقد يشعر من حولك بالحيرة والإهانة أو ربما يعيدون النظر في ما يبدو كتغيير مفاجئ في شخصيتك.
من السهل أن ترى كيف أنه من المنطقي، خلال هذه المرحلة، أن تتجاهلي ببساطة كل القضايا المتعلقة بعمى طفلك: إذا كنت لا تتعاملين مع الموضوع، فهو ببساطة لا يحدث، لأنه لو كان يحدث لكنتِ تتعاملين معه! هناك بعض الارتياح والعزاء في اتباع هذه الطريقة، وقد تعمل فعلا على تخفيف الضغط الذي تشعرين به، لمدة من الزمن، ولكن من أجل طفلك، كلما قصرت فترة انكارك للحقيقة، كلما كان ذلك أفضل لطفلك.
وعلى أية حال، وفي خضم كل هذا، فإن لا وعيك غير قادر على تجاهل المشاعر التي تحاولين أنتِ قمعها، ويحاول لا وعيك أن يجد مكانا صحيحا لهذه المسألة، لذلك تعانين من مشاكل في النوم، وتحصلين على القليل من الراحة، الأمر الذي يؤثر بمزيد من السلب على مشاعرك طوال النهار.
المرحلة الثانية: الغضب
تقول إحدى الأمهات:
“في البداية شعرت بالغضب والسخط العميقين. لقد تعلمت منذ ذلك الحين أن أتكيف مع إعاقات ابني. لن أقبل إعاقاته ابدا، ولكن سأستمر دوما في التكيف معها.”
الغضب هو ثاني مرحلة في عملية الحزن والأسى، وقد تتفاجئين كثيرا بمقدرتك واستعدادك لتحميل أي شخص أو أي شيء اللوم بسبب حالة طفلك! تلومين نفسك، تلومين شريك حياتك، تلومين الرعاية الصحية أثناء الحمل، تلومين الرعاية الصحية بعد الولادة، تندمين على رش الدواء على قطتك، وكل ذلك يسمح لك بالانغماس في البحث عن سبب يبدو في ظاهره محاولة للبحث عن سبب مشكلة طفلك، ولكنه في واقع الأمر حاجتك لإيجاد كبش فداء.
يمكن للسؤال “لماذا أنا” أن يرهقك ويستنفذ طاقتك في البحث عن أجوبة، وفي كثير من الأحيان فإن الأجوبة التي ستحصلين عليها هي “لم ليس أنا؟” و”لماذا تخلى الله عني؟”، قد تتساءلين، ولكن الله لم يتخلى عنك-لديك طفل ذو احتياجات خاصة!
هل يهم فعلا الكيفية التي أصيب بها طفلك بهذه الحالة؟ هل سيساعدك حقا لو تتبعت الحالة الصحية لكل فرد من أفراد عائلة زوجك لتثبتي أن المرض كان “وراثة من جانب الزوج”؟
هل سيظل طفلك أعمى بغض النظر عن كيف ولماذا هو أعمى؟ إن الارتباك والذهول أثناء مرحلة الغضب قد يمنحك وقتا مفيدا ودافعا تحتاجينه لتدعِ الآخرين يعلمون بحالة طفلك وماذا يحدث معه.
إذا كنتِ تشعرين بأنك بحاجة لإخبار عائلتك أو جيرانك أو حتى ساعي البريد أن “طفلي أعمى لأن زوجي السيء الشرير يحمل جينات ضعيفة” فذلك أمر لا بأس به. عندما تتذكرين ما قلتيه بعد مرور سنة، ستشعرين بإحراج عظيم، ولكن على الأقل فإنك اليوم قد تحدثتِ بالموضوع وبدأت بالتعامل معه –وأخيرا!
إن لوم نفسك يمكن أن يشكل بداية علاقة أبدية لك مع الشعور بالذنب. لن يعزز ذلك من علاقتك بطفلك أو مع بقية أفراد عائلتك، لذلك يتعين عليك النظر في مشاعرك فيما يخص اللوم بهدف التخلص من هذه المشاعر، فهي لن تساعدك، وعلى المدى البعيد ستضر –بالجميع- إذا لم تتم معالجتها.
المرحلة الثالثة: المساومة
تقول إحدى الأمهات:
“أعلم أن جيسون يعاني من التأخر- ولكني ظللت آمل على الدوام أن يشفى من مشاكله. اتساءل عن الخطأ الذي ارتكبته وبسببه لم يشفى ابنى من مشكلاته.”
هذا هو الجزء الأشد غرابة من مراحل الحزن والأسى! قد لا تكونين متأكدة مع من بالضبط تساومين، ولكن غالبا وكوالدين، يجد المرء نفسه في موقف يفكر فيه كأنه “يتفاوض مع الكون.” هل تبدو أيا من هذه الجمل مألوفة لديك؟
- نأمل ألا تكون إصابتها شديدة (بأي شيء).
- يقول الأطباء بأنها حالة خفيفة جدا.
- يبحث العلماء عن دواء لهذه الحالة، وهم متفائلون جدا.
- إنه مصاب إلى هذه الدرجة، لم نكن لنتحمل أكثر لو كانت إصابته اسوأ من هذا.
هذا من شأنه أن ينحرف قليلا بقدرتك على رؤية الحقائق كما هي. إذا كنتِ تثبتين نفسك في موقع يمكنك فيه أن تتعايشي وتتأقلمي مع العمى مثلا ولكن ليس العمى والصمم، فهل أنتِ منفتحة حقا لرؤية طفلك على حقيقته؟ إن التفاوض مع الرب أو الكون نوع من أنواع التفاوض والمساومة اللذان قد يخلفان لديك شعورا عميقا بالعزلة، ولكن ادراكك ووعيك بما تمرين به وعلمك بأنه أمر حتمي يساعدك في كثير من الأحيان.
قد تقودك المساومة في كثير من الأحيان إلى الحصول على انطباع زائف بالقبول. إحدى الأمهات اللاتي أعرفهن وجدت طريقة لتحمي طفلها المصاب بالألبينية (المهق/ البهق): بأن لا تسمح له بالخروج خلال ساعات النهار. بالتأكيد، أن تعامل ابنها لا كمصاب بالألبينية فحسب، ولكن المقلق أكثر حسب رأيي أن تعامل ابنها كمصاص دماء، فقد توصلت هذه الأم إلى المساومة مع الحقائق. لن تحرق الشمس ابنها إن لم يتعرض لها على الإطلاق، وكان ذلك الجزء الذي بإمكان والدته قبوله. من الواضح تماما أن هذا لم يكن موقفا يمكن تجاهله إلى الأبد، من أجل أي شخص.
المرحلة الرابعة: الاكتئاب
تقول إحدى الأمهات:
“حاولت عدة مرات زيارة المتجر أو دار العبادة، ثم توقفت. لم أطق أبدا نظرة الناس لطفلي (أو لي).”
يمكن أيضا للاكتئاب أن يظهر بينما تتصالحين مع أحزانك. ستكونين مدركة إلى أن هناك ما هو أكثر بكثير لتتعاملي معه فيما يخص الاكتئاب مما استطيع أن أكتبه أنا هنا. فإذا كنتِ تعانين حاليا من آثار مرض الاكتئاب، فعليك الحصول على المساعدة الطبية! من الأساسي والمهم جدا بصورة قطعية أن تتعاملي بجدية مع الاكتئاب.
قد تشعرين بأن ما من سبب يدعوك للاكتئاب، لديك طفل ولم يمت أحد! من المعقول إذاً أن نقول بأنكِ حزينة على الطفل الذي توقعتي أن تحصلي عليه. ما من أب أو أم يفكر يوما “اتمنى أن يكون طفلي أعمى.” فهذا أمر مثير للسخرية، لذلك حين يتم تشخيص طفلك بأنه مصاب بالعمى (والجميع يأمل بشدة أن تكون النتيجة مختلفة) فحتما تكون هناك فجيعة من نوع أو آخر.
لديك كل الحق لتحزني وتأسي: تأسي على آمالك، وعلى الصدمة التي مررت بها، وعلى طفلك وهذه القيود التي فرضتها عليه حالته.
ومن المفارقة أن هناك إيجابية من غير المتوقع رؤيتها في الاكتئاب، لأن هذه هي العلامة الأولية لتقبلك، ويعني أنكِ قد تقبلت الحقائق المتعلقة بحالة طفلك، على الأقل إلى حد ما (وإلا لمَ أنت مصابة بالاكتئاب؟)
المرحلة الخامسة: القبول
تقول إحدى الأمهات:
“تعلمت من طفلي الحب بلا حدود دون قيد أو شرط. لقد انفتحت في حياتي لأتقبل خبرات لم أكن أبدا لأفكر فيها.”
ستصلين إلى هذه المرحلة. ستقبلين واقعا جديا لنفسك ولعائلتك. ستصلين لتصور طريقٍ مفعم بالحياة أمامك، واحتضان الواقع الجديد وقبول الأعباء التي تنتظركِ.
في حالتي أنا، قضيت وقتا قصيرا في مرحلة مصغرة أحاول فيها تجريب الوضع، وهذه مرحلة معروفة أيضا باسم “الافصاح غير اللائق”. ما زلت اذكر جيدا كيف أني قلت لصاحب أحد متاجر الزواحف بأنه لا يمكنني شراء أيٍ من حيواناتهم الجميلة لأن طفلي قد ولد أعمى!!!
لم تكن لدي الرغبة في وقتها ولا حتى لدي الرغبة اليوم في امتلاك اي حيوان زاحف، ولذلك فإن ما كنت أفكر فيه قد زل به لساني (ناهيك عن حقيقة أنني واثقة تمام الثقة من أن الطفل الكفيف قادر على تربية سحلية، كقدرة الطفل المبصر تماما)، ولكنني سأثني على نفسي لتفكيري الخيالي فيما يتعلق بهؤلاء الناس الذين يشكلون المجتمع الذي أعيش فيه!
المضي قدما من أجلك ومن أجل عائلتك
تقول إحدى الأمهات:
“لا اعتقد بأنني وزوجي التقينا على نفس الموجة منذ ولادة ابنتنا. بدا الأمر وكأن أحدنا سعيد للغاية والآخر حزين للغاية. احيانا أظنه يتصرف بتفاؤل مفرط للغاية، وأحيانا هو يظن ذلك بي.”
لا يمر الجميع بمراحل الحزن والأسى، وليس كل من يمر بتلك المراحل يمر بها بنفس الترتيب الذي ذكرته ولا بالوصف الذي ذكرته، فتلك تجربة فردية بالكامل بكل أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين التجارب الأخرى.
قد يكون هذا صعبا بشكل خاص على المتزوجين الذين يجدون أنفسهم على طرفي النقيض في عملية الحزن والأسى. إن نسبة الطلاق في العائلات التي يولد فيها طفل من ذوي الإعاقة نسبة مرتفعة بشكل استثنائي، ومرد ذلك جزئيا إلى الضغوطات وعوامل الإجهاد الناتجة عن استقبال طفل من ذوي الإعاقة، كما أنه ناجم أيضا عن أن كلا الوالدين قد مرا بمراحل الحزن والأسى بطريقة فردية وخاصة ومختلفة عن الآخر، ولم يكونا قادرين على تقديم الحب والدعم الذي يحتاجانه لبعضيهما. إن التعامل مع مراحل الحزن والأسى في البداية لن تنفعك أنت وطفلك فحسب، بل زواجك أيضا!
إن سبب اختياري لعنوان هذا المقال هو مساعدتك على النظر إلى موقعكم حاليا في مراحل الحزن والأسى وكيفية تعاملكم مع أنفسكم. قدمي لنفسك كوبا من القهوة في لحظات هادئة، وتفكري – متى كانت آخر مرة منحت نفسكِ بعض الحنان، بعض الإحسان؟ حاولي أن تكوني أكثر لطفا مع نفسك، لا توجد لدي وصفة سحرية خاصة للتنفيس عن وجع الإصابة بالعمى، ولكن حتما ستتوصلين لمرحلة القبول. وعندما لا تتوقعين حصوله على الإطلاق، سيحصل ما لا تتوقعينه!