قصة إيلا
عرض كل المقالات بالعربية
ترجمة “مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين”
كتبته جيل آي
التقطت صورة لاختبار الحمل المنزلي. الذي أجريته لتوي. كنت قد بدأت بشراء الأجهزة عالية التقنية التي تستطيع أن تقرأ عليها كلمة “حامل” أو “غير حامل”. وها أنا ذا وأمامي كلمة “حامل” تحدق بي. الحقيقة، أنني حدقت في كلمة “حامل” مرتين قبل هذه المرة خلال السنتين الأخيرتين.
وفي كلا المرتين السابقتين انتهى حملي فجأة بدون أي تفسير، والخدر الذهني الذي أصابني على إثر تلك الخسارة في إجهاضي الثاني. ولكن في أحد صباحات نوفمبر الباردة، شعرت باختلاف كبير: كنت أقل حذرا وأكثر حماسة.
شعرت بالطمأنينة فورا واطمأننت إلى أن حملي هذا سيستمر حتى النهاية. وسأتمكن أخيرا من حمل ذلك الطفل الجميل بين ذراعي، الطفل الذي انتظرت طويلا الحصول عليه … وقاتلت بشدة لاحتفظ به.
سفر أرميا الاصحاح 29:11 كان مصدر إلهامي: “أنا اعرف ما نويت لكم من خير لا من شر، فيكون لكم الغد الذي ترجون.”
كدت تقريبا أن أرمي زوجي من سريره عندما قفزت عليه ملوحة بالاختبار وأنا افكر … أخيرا!
وبما أن حملي يعتبر “عرضة لخطورة كبيرة”، فقد خضعت لما يقرب من 20 فحص بالموجات فوق الصوتية خلال فترة حملي، وذلك شمل المستوى الثاني لفحص الموجات فوق الصوتية، وكذلك التصوير بالأبعاد الثلاثية. وكنت أنتهي من كل موعد واخرج بصورة غير واضحة بالأبيض والأسود لحبة فول سوداني تتراقص في احشائي، وهناك علامات على أجزاء جسد الجنين … ذقن، ذراعين، وجه، عيون. بدا كل شيء طبيعيا.
واصلت التألق حين دخل علينا الصيف- وأحببت فكرة تمكني من الهروب من واجباتي وإلقاء اللوم بكل بساطة على حقيقة “كوني حاملا”.
في الثالث والعشرين من يونيو من عام 2006، وفي الاسبوع 34 من الحمل (منتصف شهري الثامن)، قررت الآنسة الصغيرة إيلا أن الوقت قد حان لموعد وصولها المترقب. مفاجأة، مفاجأة!! لم استلم بعد أثاث غرفتها، وكل الهدايا التي تلقيتها ما زالت في صناديقها. لم أرتب أي شيء بعد! انتظري!!! ما زال أمامنا 6 أسابيع أخرى!!!!
وحالما ولدت إيلا، وضعوها بين ذراعي في غرفة الولادة وحدقنا بابنتنا… سكرنا حبنا لها وعاطفتنا تجاه هذا الشخص الصغير الذي نقابله للمرة الأولى. أبقت إيلا جفنيها مغلقين. لم تكن قضية كبيرة، أليس كذلك؟ لا يتمكن الجميع من فتح عيونهم في لحظاتهم الأولى، أليس كذلك؟ وفي غمضة عين، أخذوها مني ووضعوها في وحدة العناية الفائقة لحديثي الولادة، حيث زرتها لاحقا وتساءلت لماذا لم تتمكن بعد من فتح جفنيها. التمست لها كل الأعذار التي تمكنت من التفكير فيها. لقد ولدت مبكرا جدا … ما زالت متعبة جدا من أثر الولادة … لا بد أنها تشعر بنعاس شديييييييييد.
تركتنا الممرضة وكنت معها لوحدنا للحظات. لمست وجهها، وجفنيها. لم أشعر بوجود أي شيء خلفهما. لا يا الهي، كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟ شعرت في أعماقي بأنه نظرا لكل الآلام التي مررت بها، فأنا استحق الحصول على طفل كامل، أليس كذلك؟ كيف يمكن للرب أن يخصني بهذا القدر؟ دعوت الله أن أكون مخطئة.
في اليوم التالي عندما أكد الطبيب، بعد إجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي، أن إيلا قد ولدت فعلا بدون عينين، شعرت حينها أن أرضية ممر المستشفى الصلبة تميد بي وأنا أعود أدراجي، وارتجف جسدي وانفجرت دموع الأسى والحيرة من عيني.
أخبرونا أنه من المحتمل أنها مصابة أيضا بتلف في الدماغ، وتعاني من مشاكل في السمع، وأمراض القلب. “أنا اعرف ما نويت لكم من خير لا من شر، فيكون لكم الغد الذي ترجون.”؟ لم اعتقد أنه بإمكاني احتمال هذه الأخبار. ببساطة لم يتمكن عقلي من معالجة ما قالوه لي. انفجرت باكية على موت كل أحلامي التي حلمت بها لطفلنا الأول.
تقرر نقلنا خلال يومين إلى مستشفى الأطفال بجامعة ميشيغان حيث يعمل أفضل أطباء العيون، وأمراض القلب، والأعصاب في العالم ليفحصوا ابنتي الصغيرة. شعرت وكأنني لن اعيش حتى انقضاء هذين اليومين. انتظرتني صديقتي لوسي آن في غرفتي في المستشفى، وقد سافرت لمسافة طويلة جدا لترانا وترى الطفل الجديد.
شعرت بأنه لا يمكنني أبدا مقابلة أي شخص. ولكن، في اللحظة التي رأيتها فيها، أدركت فجأة أنني لا املك سوى خيارين: أن أمضي بقية حياتي في إنكار الواقع والاختباء من الناس، أو تقبل الحياة التي قدرها الله لي ولعائلتي. أعلم أن الله قد أرسل لوسي آن ذلك اليوم لمساعدتي على إدراك هذه الحقيقة.
عانقتني بقوة، ودعوت الله أن يمدني بالقوة الكافية لأتمكن من عبور الطريق المظلم الذي انفتح لتوه أمامي.
أجرى المتخصصون في ميشيغان الفحوص بسرعة لاستبعاد تلف الدماغ والصمم. أخبرونا أن الفتحتين الصغيرتين في القلب ستنغلقان على الأرجح من تلقاء نفسيهما مع نمو العضلات، وان مشكلتها الرئيسية هي العمى وفقد البصر. أرادوا ببساطة ابقائها في وحدة العناية الفائقة لحديثي الولادة في ميشيغان حتى تتمكن من التغذية بنفسها، وحتى تكتسب بعض الوزن. كانت صحتها جيدة!
بحثنا عن حالة ابنتنا الصحية وهي مرض انعدام المقلتين Bilateral Anophthalmia. قضينا الساعات في محاولة تعلم تهجي ونطق المسمى بصورة صحيحة. أخذنا موعدا عند اختصاصي العيون الصناعية في مركز كوليج للعيون. كنا نمضي قدما. وفي غضون أيام معدودة، انتقلنا من حالة الرعب والصدمة وزعزعة اليقين، إلى المعرفة والثقة. أدرك ان ما أعرفه هو الحقيقة. لم يساعدنا الله فحسب، بل وكان معنا طوال المحنة ومنحنا الأمل والمستقبل المشرق. لقد التمسنا الراحة عند ربنا، على الرغم من أننا كنا ما نزال نجهل سبب اختياره لنا.
تذكرت حينها فقرة من كتاب: “هيا بنا نتدرحج!”، لمؤلفته ليزا بيمر:
لا يشتمل القدر الذي كتبه الله علينا فقط على الأمور “الجيدة”، ولكن على مجموعة كاملة من الأحداث الإنسانية.
إن” الخير” المذكور في سفر أرميا هو عادة ما ينتج عن حدث “سيء”. يتطلع العديد من الناس إلى المعجزات. أشياء تتخيلها عقولهم البشرية لـ”إصلاح” وضع صعب. ولكن العديد من المعجزات ليست تغييرا للمسبب الطبيعي للأحداث الإنسانية، ولكنها توجد في المقدرة الإلهية والرغبة في دعم الناس ورعايتهم حتى عبر أصعب المواقف.
سأقر بهذا في الوقت الراهن، أردت بشدة أن يتم “إصلاح” الوضع. أردت أن تكون ابنتي الصغيرة كاملة. ما لم أدركه حينها أنها كانت بالفعل كاملة. كانت كاملة. كاملة كما خلقها الله سبحانه وتعالى.
أحب ابنتي كثيرا جدا، وهناك مرات شعرت فيها بأن قلبي سينفجر فرحا بها. أنا فخورة للغاية بإنجازاتها خلال الأربعة عشر شهرا من حياتها. تضحك ابنتي بصوت عالي طوال الوقت. وتميل عليك لتقبلك على شفتيك. وتضع يديها الصغيرتين على عينيها الاصطناعيتين لتلعب معك الاستغماية (كيف يمكنها أن تعرف كل هذا؟؟؟!!) كانت تدهشنا في كل حركة من حركاتها.
ولكن أرجوكم لا تسيئوا فهمي… كانت هناك وستكون هناك أوقات يعتصر فيها الألم قلبي أسى على ما لن يتسنى لها أبدا أن تراه: شروق الشمس المهيب فوق المحيط الشاسع، الجمال الخالص للثلج الذي يعلو قمم سلسلة من الجبال، ووجه أبيها الوسيم.
لا أحد منا يعرف سبب مشيئة الله في أن يمنح بعضا من الناس قدرات معينة… وأن لا يمن بها على آخرين. استلمنا بطاقة عند مولد إيلا عليها اقتباس لآن ريدباث. لا اعلم ما إذا كان الشخص الذي أرسلها سيعلم يوما ما مقدار السلام والاطمئنان الذي منحنا إياه:
لا يمكن لأي ظرف أو مصيبة أو اختبار أن يزعزعني حتى أومن وأتيقن من أنه قضاء حل علي من الله. إذا جاءني هذا القدر من الله، فإذاً قد جاء لسبب ما، قد لا أفهمه من فوره، ولكن أرفض أن اجزع، وسأرفع يدي إلى السماء وأقبل بقضاء الله ومشيئته التي قضاها لي من فوق سبع سماوات لأسباب كلها بركة، وانزلها على قلبي.
لقد ملأت ايلا قلوبنا حبا وبركات أكثر مما تخيلنا أو أملنا. تعلما إيلا عن أشياء نأخذها نحن المبصرون من المسلمات. هي طفلتنا الأولى الكاملة… الطفلة التي دعينا الله لنحصل عليها، والتي قاتلنا من أجلها، وحلمنا بها وأحببناها كثيرا حتى قبل أن تولد.